المحاور الاستراتيجية للتقريب

المحاور الاستراتيجية  للتقريب

 

 

المحاور الاستراتيجية  للتقريب

 

أ.د. الشيخ محمد مهدي التسخيري

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 (شرع لكم من الدين ما وصّى به نوحاً والذي اوحينا إليك وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى أن اقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه) (الشورى/ 13).

 لا يخفى على ذي لبّ ان مسألة التقريب بين المذاهب الاسلامية وتوحيد صفوف الامة الاسلامية اصبحت من الآمال التي تطلع اليها كل المصلحين الذين سبقونا بالايمان وبذلوا منتهى الجهود المخلصة لتحقيقها ودعوة الناس اليها، خصوصاً في القرن الاخير، امثال السيد جمال الدين الاسد آبادي (المعروف بالافغاني) والسيد البروجردي والمشايخ العظام امثال محمد عبده والمراغي والقمي وشلتوت وعلوبه باشا و محمد حسين آل كاشف الغطاء وواعظ زاده الخراساني (من  المؤمنين  رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) فهولاء العلماء الذين ادركوا عمق المصاب الذي ابتلي به العالم الاسلامي بكل مذاهبه وقومياته بأي سبب كان او يكون، فانتفضوا في سبيل الله على ذواتهم اولا، ومن اجل اصلاح المجتمع الاسلامي والبشرية آخرا ومن روائع الكلام ماجاء في حق دعاة الوحدة  ماخطه الفقيه الحكيم التقي الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء: اولئك دعاة الوحدة الحقيقية وحملة مشعل التوحيد، اولئك دعاة الحق وانبياء الحقيقة، ورسل الله الى عباده في هذا العصر، يجددون من معالم الاسلام مادرس، ويرفعون من منار المحمدية ماطمس، وكان بفضل تلك المساعي الدائبة، والجهود المستمرة من اولئك الرجال (وقليل ماهم) قد بدت بشائر الخير، وظهرت طلائع النجاح، ودبت وتسربت في نفوس المسلمين تلك الروح الطاهرة، وصار يتقارب بعضهم من بعض ويتعرض فريق لفريق، وكان اوّل بزوغ تلك الحقيقة ماحدث بين المسلمين قبل بضعة اعوام في المؤتمر الاسلامي العام في القدس الشريف (1350هـ) من اجتماع ثلة من كبار المسلمين وتداولهم في الشؤون الاسلامية ، وتبادل الثقة والاخاء فيما بينهم، على اختلافهم في المذاهب والقومية، وتباعد اقطارهم وديارهم، ذلك الاجتماع الذي هو الاوّل من نوعه والوحيد في بابه، الذي علق عليه سائر المسلمين الآمال الجسام، فكان قرّة اعين المسلمين، كما كان قذى عيون المستعمرين، والذي حسبوا له الف حساب واوصدوا دونه حسب امكانهم. كل باب«([1]).

 فمن ذلك الحين الى يومنا هذا اقيمت عشرات المؤتمرات بل المئات في مختلف المجالات والاختصاصات، وفي كافة المدن المركزية للدول الاسلامية  كالقاهرة وطهران وجدة وجاكارتا وعمّان وبغداد والمنامة واسلام آباد. ودرست وناقشت المواضيع المتنوعة والمفيدة، التي تصب نتيجتها في طريق وحدة الامة الاسلامية والتأكيد على اهمية والمساعي المشكورة فيه.

 اهم الثمار الفعلية والمستقبلية الناتجه من اقامة المؤتمرات السابقة والجهد العملي المبذول لصالح المجتمع الاسلامي:

 

أولاً: الاصول المشتركة:

 هناك اصول متفق عليها لدى كافة المسلمين بمختلف طوائفهم كالتوحيد والنبوة والكتاب والقبلة الى غير ذلك من اركان العقيدة، والعمل وهي الملاك للوحدة الاسلامية والاخوة دون غيرهامن المسائل الاختلافية الخاصة بكل مذهب التي هي من ملاكات المذاهب نفسها.

 

ثانياً: الحفاظ على المذاهب

 ان رفع شعار وحدة الامة الاسلامية ومطالبة الجميع ائمة ومأمومين للسعي الى تحقيق هذه الامنية الفطرية لا يعني رفض المذاهب ولا ادغامها والمساومة عليها؛ بان نستقطع من كل مذهب مايلائم اهواءنا من اجل الوصول الى الهدف المنشود باي ثمن ونكون مذهباً جديداً ملفقاً من جميع المذاهب او بعضها لارضاء الناس (يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يُرضوه إن كانوا مؤمنين) (التوبة/62).

 كما لا يؤخذ بالمشتركات فقط ويرفض موارد الاختلاف ويعرض عنها قد يكون للصور المذكورة انصار يدعون اليها باسم الوحدة الاسلامية وهم غافلون عن ماتحمل من اخطاء وغفلة في آثارها السلبية على المجتمع الاسلامي وبعدها عن الواقع الاسلامي والانساني.

 لكن المتبنى لدى علماء المسلمين الداعين الى رص الصفوف تحت لواء الاسلام هو الرجوع الى المشتركات والاصول في العقيدة والشريعة باعتبارها الاصول الاولية للاسلام مع الاحتفاظ بالمذاهب والاحترام المتقابل بين اتباعها، فيما وراء هذه الاصول من المسائل الجانبية الفرعية، التي يسود الخلاف فيها في اطار الدليل والبرهان، والتي تعتبر غير ضرورية، ويكون باب الاجتهاد فيها مفتوحاً (ولا يزالون مختلفين الا من رحم ربك ولذلك خلقهم) (هود 118-119). الى للرحمة والاختلاف خلقهم وفقا لتفسير بعض العلماء .

 

ثالثاً: اصالة الاسلام

 ان الاصل بالنسبة للمذاهب والافراد هو الاسلام في اوساط الامة الاسلامية فلا يجوز لاحد ان يرمي الآخر بالكفر كما لا تجوز المسارعة في الحكم على اهل القبلة وعلى كل من التزم بالاصول الاسلامية المتفق عليها في حالة الشك؛ يكون الرجوع الى علماء المذاهب والاعتماد على المصادر المعتبره عندهم ولا يجوز الاستناد الى الاشاعات والاقوال الغير المسندة ومع تعين المشتركات والاصول الاساسية الاسلامية يبقى على اللجان التخصصية العلمائية دور تنوير الافكار لتعريف الامة الاسلامية وفقاً  للمعايير والملاكات الاصولية والفقهية على من لا يلتزم بها او يسيء فهمها او دعوته الى الالتزام بها ورفع الشهبة عنه اذا كانت لديه شبهات وهدايته الى طريق الرشاد وفي حالة العناد فالامر مختلف وفي النهاية فان المرجع والمصدر لهؤلاء العلماء، الكتاب والسنة النبوية الشريفة هما المصدران الاساسيان لمعرفة رأي الاسلام في شتى الامور والمفاهيم (عن الكون والحياة والانسان : ماضيه وحاضره ومستقبله في الحياتين)، والاحكام والشريعة التي تنظم حياته وسلوكه الفردي والاجتماعي، اما الاصول والمصادر الاخرى كالعقل والقياس والاجماع وامثالها فهي لا تملك أية حجية الا اذا استندت الى ذينك المصدرين الكريمين واتخذت مصدريتها منهما على حد تعبير العلامة الشيخ محمد علي التسخيري([2]).

 فتحديد دائرة الاجتهادات المذهبية في المدارس الكلامية الموجبة الكفر والتفسيق والارتداد والزندقة و.. وتحديد الاصول الكلية والمواطن المشهورة في دائرة المذاهب الفقهية المتعددة لا يتم الا وفقاً للمصدرين المذكورين.

 

 رابعا:الاجتهاد

 هو استنباط الحكم الشرعي الفرعي من ادلته التفصيلية في مواطن ليس فيها دليل قطعي وحكم ضروري اسلامي.

 ومايستفاد من اقوال العلماء ان المجتهد فيه عندهم عبارة عن مجموع القضايا التي لا يرد في شأنها ادلة قطعية ثبوتاً ودلالة والقضايا التي لم تجمع الامة ولا اتفقت على حكمها، ويعتبر كل مجتهد في هذه القضايا مصيباً ومأجوراً غيراً آثم – اذا اكتملت فيه شرائط الاجتهاد واتبع السبل الصحيحة للاستنباط – ويعني ان القضايا التي وردت في شأنها ادلة قطعية ثبوتاً ودلالة، أو أجمعت الامة كلها عليها فانها لا تعتبر من المسائل الاجتهادية؛ بل يحظر الاجتهاد فيها شرعاً. فاذا اجتهد مجتهد في هذه القضايا، ثم اداه اجتهاده الى مخالفة الاحكام المقررة لها، فانه يكون آثما عند الله، ذلك لأنه اجتهد فيما لا يجوز له الاجتهاد فيه. كوجوب الصلاة الخمس والصيام والزكاة والحج و.. وسواها من المسائل التي تعرف بالمعلوم من الدين ضرورة «فما ذكر لا يشتمل على المسائل الاعتقادية الداخلة في علم الكلام».

 فالثوابت ومحكمات الشرع قليلة ومعدودة وهي المعروفة بالضروريات التي لا يختلف فيها اهل القبلة، مما يجعل شأن الاجتهاد في الاسلام شأناً عظيماً وامراً ضروريا لا يمكن له ان يتوقف لأي سبب من الاسباب لان توقفه يعني توقف جزء كبير من احكام الشرع.

 ولقد بات واضحاً لدى المذاهب الاسلامية اهمية فتح باب الاجتهاد في المسائل الخلافية غير الضرورية  على اساس الالتزام بالحق والاحتجاج بالادلة المذكورة سابقاً وقبول ما تنتهى اليه البحوث حسب الدليل مع رعاية جانب الانصاف وادب الجدال بالتي هي احسن وانتخاب الافضل وفق المعايير الاسلامية المنصوصة والمعقولة المبرئة لذمته امام الله سبحانه وتعالى فاذا كان النظر في المسائل الخلافية وفق منظار التقريب والتحبيب بغية الوصول الى الصواب والسعي الى الوفاق قدر الامكان سوف يكون بعيداً عن التهويل  بالنسبة للآخرين وعلى هذا فالحوار والبحث السليم والمنطقي مفتوح في العقيدة والفقه والتاريخ، والمرفوض هو الاستغلال والاستضعاف وفرض الرأي وعدم احترام الآخر والجدال المؤطر، والفكر والحركة في غير طريق مرضاة الله.

 ومن غير المقبول شرعاً وعقلاً ان يتحول ذلك الاختلاف الفكري في مسائل الاجتهاد الى صراع عملي وحقيقي بلا مبرر.

 ثم ان رصد عناصر الواقع بدقة واستقصاء، وفي موضوعية وشجاعة واستخدام هذا الرصد بعد ذلك في تغيير واقع الامة، التغيير اللازم لتحقيق نهضتها واداء دورها الريادي من جديد اعتماداً على قدراتها الفنية وطاقاتها الانسانية وثرواتها الطبيعية كما ينبغي لنا ان نرصد واقع المسلمين خيره وشرّه لنصل من ذلك الى توجيه مسيرتنا نحو تغيير واقعنا اتجاه المستقبل الاكثر اشراقاً تستطيع فيه الامة الاسلامية الموحدة ان تؤدي دورها الحضاري الذي بعثها الله لادائه وهو ترشيد حركة الناس والشعوب بقيم الحق والخير والعدل التي اوحى بها الله سبحانه وتعالى الى رسله والتي توجتها الرسالة الخاتمة التي جاء بها النبي محمد(ص).

 فهناك محاور مهمة ومؤثره يمكن الالتفات اليها في تحرير استراتيجية تقريبية تعم العالم الاسلامي يمكن الحديث عنها باختصار كمحور المدارس الكلامية والمذاهب الفقيه والانظمة السياسية والمشاريع الاقتصادية والاجهزة العسكرية والامنية والدور العلمي والجامعي ووسائل الاعلام المقرؤ والمسموع والمؤسسات الاهلية والمنظمات السياسية والحزبية و.. الى غير ذلك منها لكن نكتفي بالتطرق الى اربعة محاور نعتبرها الاهم في هذه الورقة ونامل في ايصال الفكرة ولو على نحو الاجمال وفتح الباب للآخرين بالتفصيل والافادة اكثر وأني «رب حامل فقه الى من هو افقه منه».

  

المحور الاوّل

 علم الكلام

 اولاً:  اهمية علم الكلام

 ان اهمية علم الكلام ودوره في التقريب بين ابناء الامة الاسلامية امر معروف لاغبار عليه لماله من الاثر البالغ على علاقة المسلمين بعضهم ببعض سلباً وايجاباً فاول الخلافات واكثرها هو المتأثر بشكل وآخر في المباحث الكلامية التي وان كان التنازع بين ائمتها قد ينحصر في الجانب العلمي والبحث والدرس لكن هذا النقاش عندما كان يصل الى انصاف العلماء والى عامة الناس يتحول حينا الى سباب وخصومة وعراك وحيناً الى اقتتال وحروب باسم المذاهب التي تنسب نفسها الى الدين الاسلامي المبين الذي جاء للسلام واستسلام الجميع امام ارادة الواحد الاحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد والناهي عن كل هذه النـزاعات المذهبية الضيّقة.

 فهناك مسائل عديدة طرحت قابلة للنقاش والحوار وان كانت بعضها لا يلتفت اليها اليوم اذكر عناوينها فقط وماذكرى لها الا للتذكير بها ولا غير، الامامة والخلافة، مرتكب الكبيرة، الجبر والاختيار حدوث وقدم القرآن تحريف القرآن وكثير من المسائل التي قد لا تجد لها قائلاً اليوم والتي جرت الامة الى شقاق وتفرق واقتتال ولا يمكن ان نغفل دور الحكم الاموي والعباسي ودخول الفلسفة اليونانية بمالها من مصطلحات تحمل معانيها الخاصة في علم الكلام الاسلامي والفلسفة الاسلامية والتي كان لها التأثير في الجدليات الكلامية ومع الاسف نحن اليوم ايضا نلاحظ بعض المفكرين الاسلاميين يستخدم بعض المصطلحات التي لها مدلولتها الخاصة والتي قد يكون لها موضوعية في الديانة المسيحية وغيرها ولا يمكن تعميمها على المفاهيم الاسلامية والافكار الخالصة المستوحاة من وحي الرسالة الخاتمة .

 

ثانياً: اعادة النظر في المصادر

  ان مصادر علم الكلام التقليدية لا يمكنها ان تقدم صورة حقيقية عن واقع علماء المدارس الكلامية القديمة، فكثيراً ماجعل بعض اصحاب الآراء الكلامية رؤساء مذاهب – وويلٌ، لامة تتحول فيها الاراء الى معتقدات ومذاهب – كما ضخمت صورة فرقة لم يكن لها في التاريخ سوى القليل من الانصار والاتباع – وهذا ما يشبه تعدد الاحزاب السياسية والتكتلات بعد انتصار كل ثورة او تغيير نظام سياسي معين – الذين لا يتجاوزون الزمان والمكان المعين وهذا مما ادى الى خلق صورة خاطئة عن وجود انقسامات بين بعض المذاهب وطوائفها المنشعبة وظلت هذه الصورة وممثلة لنمطية القراءة الكلامية لدى الكثير من المسلمين. دون ان يجري نقد حقيقي – لا طائفي – لها؛ وهذا يعني ان الصورة التي تقدّمها مراجع الملل والنحل لا ينبغي اعتبارها نهاية الكلام وفصل الخطاب، بل يبقى المجال مفتوحاً لاعادة النظر وتقويم المشهد.

 

ثالثاً: حيوية علم الكلام

 ان مناقشة العقائد الحالية للمذاهب، علاوة على درس تطورها التاريخي، يعتبر تكليفاً علمياً ملقى على عاتق اهل العلم والتحقيق ، وهذا مايعني مصادر الاراء الكلامية المدرجة في كتب علم الكلام، لم تعد هي المرجع الوحيد لتحديد مواقف مذهب او آخر فكثير منه منقرض والاخر حدثت فيه تطورات جذرية او طفيفة فلا يمكن الحكم عليه. فهل من الممكن ان تعرف نسبة القائلين بالقياس عند اهل السنة؟ وكم هي نسبة القائلين بالولاية التكوينية عند الشيعة؟ وهل يوجد وماهي نسبة القائلين بتحريف القرآن الكريم؟!

 واليوم في ظل تحديات العولمة والغزو الثقافي والابادة الفكرية التي يقوم بها الغرب نحن بحاجة الى عصرنة علم الكلام وحيويته ونضارته، وتوفر الاستجابة الطبيعية فيه لمهمات القضايا الفكرية ومشكلاتها في حياة المسلم المعاصر وتنحية الخلاف المذهبي ليأخذ موقعه الجديد في ظل بلورة علم الكلام، من شأنها ان تخفف من حدّة هذا الخلاف وتعيد انتاج رؤى جديدة عن الآخر المذهبي في ظل اوضاع العصر وتطورات الحياة.

 وعلى المفكرين المصلحين ايجاد معادلة جديدة من العمق الديني نفسه، بدون اقتباس من الآخر الغربي، ومن خلال هذا سوف نوفر فرص التقريب بين المذاهب الاسلامية كافة. فلا يجوز السماح للتيارات المتطرفة في المذاهب باحتكار تمثيلها بحجة انها الاكثر اصالة والاكثر تديناً وسلفية([3]).

 

رابعاً: الدراسة الموسوعية

  عرض العقائد الاسلامية مع ملاحظة اراء جميع الفرق الاسلامية ونظريات رواد الفكر الاسلامي المعاصر، مشيرين الى ادلتهم بعيدين عن الاساليب غير العلمية كالتزييف والتحريف والتزوير والتقطيع واسناد الاراء الى الاشخاص والمذاهب دون مراجعة المصادر الاصلية. وبمجرد الاستنباط والاستخلاص من بعض كلماتهم اي الأخذ بما يتراءى انها من ملازمات ارائهم.

 نحن بحاجة الى دراسة موسوعية مقارنة للآراء الكلامية بحيث يبتعد فيها الكاتب عن الانحياز والتعصب والغلو، ويحترز الاساليب الخطابية في اثارة الجمهور والرأي العام لصالح هذا وذاك، ولا يقضي قضاءً باتا في حق مذهب وشخص الا بذكر المصدر و الدليل، ولا يغفل حين النقد، الموضوعية والاسلوب العلمي والانصاف؛ بتقديم صورة شفافة وواضحة.

 

 المحور الثاني

 المذاهب الفقهية

 تعدد المذاهب

 ظهرت مدارس فقهية وكلامية وصوفية منذ القرن الاول للهجرة، واهم المذاهب الإسلامية اليوم تنحصر في السنة والشيعة وفروعها المشهورة، والتي يرى العلماء ان تعدد المذاهب ظاهرة طبيعية للدين الإسلامي، ناتجة عن جهد واجتهاد علمائه، وتحقيقهم المتواصل لاستنباط الحقائق الشرعية من الكتاب والسنة النبوية؛ لكن المؤلم ما حصل وحيناً ما يحصل من صراعات دموية بين اتباع هذه المذاهب، هل السبب في ذلك هو الاجتهاد الفقهي المجاز من الله ورسوله لبيان الحقائق بعد استكشافها التي لا يوجد نص ودلالة قطعية عليها، والحال ان الانسان في حياته  الطبيعية في مختلف المجالات يعتمد على هذه الطريقة أم أن السبب يتعلق بعوامل سلطوية وسياسية وجهل وغفلة أو اغفال؟

 عند مراجعة كلام المصلحين والعلماء من اهل الورع والتقوى من عباد الله المخلصين نرى ان العيش المشترك بين المذاهب الاسلامية أئمةً واتباعاً سنة اسلامية حسنة و متبعة، كيف وقد امروا باستيعاب ابناء الديانات الاخرى مع كل ما تحمل من افكار كافرة و مشركة في عقائدهم وافعالهم اليومية؟!

 فكيف يمكن لامة يجمعها التوحيد والنبوة الخاتمة والقبلة والاركان والدعائم الاسلامية الضرورية – ان تعترك وتقاتل لامور اجتهادية واستنباطية.

 

 اقوال العلماء

  فكثيرون هم العلماء الذين صرحوا بطبيعة الاختلاف في هذه الامور، يقول الشيخ الفقيد عبدالمجيد سليم شيخ الازهر السابق، بعد ذكره نوعين من الاحكام التي يقوم عليها الاسلام، الاحكام الثابتة التي يجب الايمان بها والاختلاف فيها مذموم ومنهي عنه:

 اما النوع الثاني من الاحكام ، فان الاختلاف فيه امر طبيعي، لأن العقول تتفاوت، والمصالح تختلف، والروايات تتعارض، ولا يعقل، في مثل هذاالنوع أن يخلو مجتمع من الاختلاف، ويكون جميع افراده على رأي واحد في جميع شؤونه، وهذا النوع من الاختلاف غير مذموم في الاسلام مادام المختلفون مخلصين في بحثهم، باذلين وسعهم في تعرف الحق واستبانته([4]).

 وهناك كلام للامام المرحوم الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء ايضاً مؤكد على الفكر والسابقة: المسلمون بعد اتفاقهم على كلمة واحدة على أن القرآن الكريم وحي من الله جل شأنه، وان العمل به واجب، ومنكر كونه وحيا كافر، والقرآن صريح في لزوم الاتفاق والاخاء والنهي عن التفرق والعداء.. فبعد اتفاقهم على وجوب الاخذ بنصوص الكتاب الكريم لهم، مهما بلغ الخلاف بينهم في غيره، تجمعهم في اشد الروابط من التوحيد والنبوة والقبلة وامثالها من الاركان والدعائم. واختلاف الرأي فيما يستنبط أويفهم من القرآن في بعض النواحي، اختلاف اجتهادي لا يوجب التباغض والتعادي .

 وهناك كلمات صريحه واضحة لائمة المسلمين لكلا الطائفتين بهذا الخصوص.

 

 سبب الخلاف

 لكن السبب الحقيقي هو ما ذكرنا من جهل وغفلة واغفال وسياسة تلعب دورها لاستغلال العواطف الشريفة والمؤمنة، والغفلة عن الاهداف الاسلامية الاصيلة والمصالح الاستراتيجية العامة للمسلمين، وايضا المشلكة الحقيقة، قد تكمن فيما ذكره الدكتور القرضاوي في انصاف العلماء: الآفة ليست في العامي ولا في العالم الخالص. العالم الحقيقي ليس من ورائه شر – ان شاء الله – والعامي المحض ليس من ورائه شر لانه يتبع العالم في الغالب، ويسأله. وانما المشكل في انصاف العلماء قالوا: انما افسد العالم الانصاف.. هؤلاء الانصاف الذين قرأو بعض الكتب والاحاديث أو استمعوا الى بعض الاشرطة ورأوا انهم اصبحوا علماء وينظر بعضهم الى نفسه انه شيخ الاسلام، واذا قيل له ابوحنيفة قال كذا ومالك قال كذا، يقول هم رجال ونحن رجال فالحقيقة هي ماذكرها فضيلة الشيخ وان كان قد لا يرضى بها الكثير  فصحيح ايضا ما يقال: لا ينبغي لنا ان نحسر الجهود التقريبية بين المذاهب الاسلامية في التقريب بين المذاهب الفقيهة فقط؛ لان الفقه هو علم الفروع وكلما زاد الاجتهاد والتجديد في الفقه الاسلامي كلما تمايزت الاجتهادات في الاحكام الفقهية. فتح الافاق امام تمايزات  الاجتهادات هو الذي يحرك العقل الاسلامي المجتهد([5]). ولكن ليس من الصحيح افتراض هذا الميدان التقريبي انه على احسن الفروض جهاد في الميدان الا سهل، الذي لا يمثل المشكلة الحقيقية في الخلافات بين المذاهب الاسلامية… وبين السنة والشيعة على وجه التحديد. غير صحيح باعتباره انكارا للحوادث التاريخية للواقع المعاش ولحقيقة امكان اقامة التقريب بين كافة طبقات المجتمع الاسلامي من سياسين واقتصاديين و… الا انصاف العلماء فان جمعهم في مكان واحد وحثهم على نهج واحد امر صعب ومستصعب فالاختلاف المذهبي لاينبغي ان يكون مدعاة للنزاع الا اذا اقترن بمطامع سياسية وغفلة عفوية وجهل واطماع اقتصادية وحزبية.

 

 المحور الثالث

 السياسي

 نظراً لاهمية هذا المحور في العلاقات بين ابناء الامة الاسلامية في مختلف البلاد الاسلامية، وصعود ونزول التقارب غالباً ما يتبع ارتفاع وانخفاض العلاقات السياسية والدبلوماسية فيما بين الهيئة الحاكمة في كل بلد اسلامي. ومتى اتفق الحكام في قضية مصيرية تخص العالم الاسلامي شاهدنا وقوف الجماهير الى جانبها بقوة مع كل مالديها من تحفظات اتجاه حكامها، وخير دليل على ذلك موقف الشعوب بالنسبة لاحتلال افغانستان والعراق، لكن لا اريد الخوض في هذا المحور بكل جوانبه بل المراد هو التاكيد على تغيير القيم السياسية المتَّبعة وتبديلها بقيم سياسية اسلامية جديدة، كرفض الهيمنة الاجنبية بدل الخضوع للأجنبي، والاطراء اليه، كفاح وجهاد السياسة السلطوية الاستكبارية في مقابل المحافظة والانصهار السياسي، والذهنية العملية الجديدة تطبيق المبادئ الالهية نحو قيام مجتمع وحكومة اسلامية عالمية تضم كل الدول وشعوبها بحلول عقلانية ربانية ايمانية في مقابل القبول بمجتمع وحكومة متماشية مع خصائص المجتمع الغربي، هذا مع ملاحظة كل التحديات الناتجة من ظاهرة العولمة الجديدة التي تسعى للهيمنة المطلقة على كل مقدرات الشعوب المستضعفة ومنها الشعوب الاسلامية.

 

حكم الشاه

 ومن اهم هذه التحديات هي زرع وبث النعرات الطائفية من جديد في اوساط المجتمع الاسلامي الذي يسعى بجد وجهد لاكثر من قرن متواصل على سحق الطائفية البغيضة التي منشؤها النفس الامارة بالسوء والطغيان الداخلي للروح السلطويةالبشرية التي لا تمت لاي مذهب بصلة، مهما ادعى صاحبها، فذاك شاه ايران المقبور حكم البلاد حوالي الاربعين سنة بمساعدة نخب ومستشارين تمّ تدريبهم في الغرب، - وايران كانت الولايات المتحدة تعتبرها الحليف الاكثر استقراراً في العالم-. فهو كأبيه اجلسته القوى الاجنبية على عرش الطاووس، فاخذه جنون العظمة المتزايدة فزج الالاف من العلماء والنخب الفكرية في السجون، وأعدم المئات منهم، فالقمع والتعذيب والسجون والابعاد كانت من معالم ثورة الشاه الامريكية البيضاء التي سحقت المزارعين (والزراعة) اولئك الذين كانوا يصبون من القرى في المدن توقعاً لحياة افضل مع افتقارهم لمهارات العمل المطلوبة ، سكاناً عاطلين في احياء حضرية عشوائية مكتضة ومزدحمة بالسكان، والحال انه قد احتفل في اكتوبر سنة 1971 بالذكرى الالفين والخمسمائة للملكية الفارسية، وتمّ انفاق مايزيد على مائتي مليون دولار (آنذاك) لجمع المرموقين - (حسب ادعائه)- من اركان الدنيا في مدينة برسبوليس عاصمة فارس قبل الاسلام الخالية من السكان، حيث قام الشاهنشاه (ملك الملوك) بوضع نفسه على قدم المساواة مع الملك كوروش ملك الملوك. وقد جسّد الاحتفال الذي استمرّ اسبوعاً على شكل وليمة كان الطعام فيها من مطعم مكسيم في باريس بما في ذلك 25 الف قنينة من الخمر، وعدم احترام الشاه للمبادئ الاسلامية والانسانية اتجاه هوية ايران وتقاليدها الاسلامية، وامتزجت مظاهر البذخ والتبذير بالاحتفال ذي الطابع الغربي في موقع يعود الى ماقبل الاسلام، واما عن اعمال القمع الدموية لمظاهرات فئات الشعب وطبقاته المختلفة في جميع محافظات ايران ومدنها، بل وأريافها، فحدث ولا حرج. فهل يمكننا ان ننسب هذه الاعمال الاجرامية واللا انسانية للتشيع؟ وهل بامكاننا ان نطلق عنوان الشيعي او المسلم على مثل هذا السبع المفترس اعوذ بالله.

 

حكم صدّام

 وهذا صدام العفلقي الذي حكم العراق اكثر من ثلاثة عقود، بدعم مباشر وغير مباشر من الانظمة الشرقية والغربية كل في وقت محدّد فاستنطقوه لو سمحوا له اسياده ان يتكلم عن الجرائم البشعة التي ارتكبها في بلاد الرافدين، وكانت من اهم معالم حكمه الدموي. اعمار المقابر الجماعية وازدهار السجون باحتضان العلماء والمفكرين سنة وشيعة، وتقديم ابشع انواع التعذيب النفسي والجسدي على أيادي جلاوزته وإبعاد واغتيال وقتل العلماء والمفكرين من كافة القوميات والطوائف وعلى رأسهم العلامة الفقيه الفيلسوف المجاهد محمدباقر الصدر، وهو من سلالة النبي(ص)، وتهيئة الارضية المناسبة لحضور الاساطيل العسكرية  الغربية والاستكبارية على رأسهم الولايات المتحدة الاميركية بعد شن الحرب على أعزّ جار له وشقيق وهي دولة الكويت وشعبها ، واراقة دماء مئات الاولوف من ابناء الامة الاسلامية في العراق والكويت وايران اثر حروب داخلية قومية واعتداء على دول الجوار. وجسّد اكبر جريمة في منطقة العالم الاسلامي ضد شعبه في واقعة حلبجة، وسوف يحدثنا التاريخ عن عدد الشهداء الذين قتلوا ظلما وعدواناً في ارض الرافدين المقدّسة، وكل هذا الاحتقار والجريمة كان على مرأى ومسمع المنظمات الدولية الرسمية وجميع الحكومات الغربية الديمقراطية المتحضرة. لا بل بمساعدتهم في تنفيذ مشاريع الفتنة والفرقة في العالم الاسلامي المشتت والمضطهد، ولكن كما هي سنن التاريخ فان للباطل جولة وللحق دولة. فالتحق حكمه بنظيره محمد رضابهلوي الى الزوال واللعنة الابدية من شعوب العالم الاسلامية والانسانية جميعا. لقد انقض الغرب المفترس على عراق الرافدين باسم اسلحة الدمار الشامل وتحرير الشعب العراقي، واعادة الامن والامان له، والديمقراطية والدفاع عن حقوق الانسان، وامثال هذه الشعارات المستهلكة، التي لم ولن يتحقق منها على ايدي الكفرة والفجرة اعداء الاسلام والمسلمين، هذه الشعارات التي يعرف زيفها حتى اطفال المدارس الابتدائية في بقاع العالم الاسلامي، فبعد كل ما ذكر هل بامكاننا ان ننسب صدام الوحش البربري الى اهل السنة او الى الاسلام او الى الانسانية حاشا وكلا.

 فالمسألة ليست مسألة سنة وشيعة بل هي سلطة يبحث عنها المستبدون المتغطرسون باسم الاسلام وباسم المذاهب فلنكن واعين ومنصفين في متابعة الامور وخطاباتنا السياسية كي نحد من الفرقة السياسية ولا نزيد الطين بلة، بل نسعى معاً حكومات وشعوباً للملمة الشتات باتجاه وحدة وسياسة موزونة ومعقولة. او ليس من العجب اننا نلاحظ ان الخطاب السياسي الاميركي يتحرك في اتجاهين معاكسين لاقتطاف الثمار لصالح سلته الماكرة فمن جهة يخرج بلباس الناصح للشيعة، انه في مقام تسهيل الامور لحكومة شيعية في العراق بعد سنين الحرمان والاضطهاد التي مرّت عليهم، ومن جهة اخرى يحذر السنة من النفوذ الشيعي للسيطرة على الوضع في العراق، فأي الخطابين نسمع وماهو القصد؟ نقولها بصراحة ان الاستكبار العالمي وعلى رأسه الولايات المتحدة الاميركية، ولن تكن يوما تفكر في مصلحة المسلمين لا سنة ولا شيعة، همها الوحيد هو ما يملى عليها في مطابخ مراكز الدراسات الاستراتيجية الاميركية من أجل الوصول الى المصالح القومية – مصالحهم القومية في بلادنا الاسلامية ! والواقع الموجود هو خير دليل على ما ندّعي فحذار حذار من السماع الى الخطاب السياسي الاميركي المتلون، ولا يوجد للعراق  ولا لاي شعب مسلم في الوطن الاسلامي الكبير حلّ سوى وحدة شعوبهم بجميع طوائفها وقومياتها وتقرير مصيرها بيدها، والابتعاد عن الاقتتال الداخلي وطرد الاحتلال بكل الوسائل الممكنة والمناسبة التي تضمن للشعوب حريتها واستقلالها واسلاميتها انقل لكم قول الكاتب الاميركي اليهودي آلفريد ليليتنال: سعت الدول الاستعمارية الى اتباع سياسة التفرقة في المنطقة، وذلك باستغلال القوميات والطوائف والعصبيّات من اجل كسر وحدة العالم العربي لتتمكن من السيطرة عليه وعلى العالم الاسلامي بعد ذاك([6]).

 

المحور الرابع :

الاقتصادي

كرامة الامة

 التكامل الاقتصادي بين  شعوب و دول العالم الاسلامي ضرورة تقريبية ومركزية مغفولة في اوساط الامة لعدم معرفة ما لها من اهمية على حياة المجتمع الاسلامي، رغم كل ما بذل من جهود متواصلة ومستمرة؛ فاستعادة  كرامة الامة وعزتها ورقيها من جديد لا يمكن الا بتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية متوازنة ومدروسة؛ لمواجهة تحديات العولمة الاقتصادية المفروضة على العالم المستضعف كله ومن خلال اقامة تكتل محكم وقوي اقتصاديا لمنافسة الكارتلات والتكتلات الاقتصادية الحاكمة التي يوشك ان تبلع اقتصاد العالم الاسلامي لو لا بصيص امل في بلادنا الاسلامية ، ناتج عن طبيعة الثروات الالهية والأدمغة النشطة، وبعض الحرص على مستقبل الامة، و قليل من العلاقات الاقتصادية المنبعثة عن التربية الالهية في اوساط هذا المجتمع.

 فالتوجه الى برمجة اقتصادية شاملة لمختلف شؤون الحياة في الاقتصاد والتجارة من قبل العقول المهتمة والمختصة في هذا المجال، وتمكين الدول وحكامها لهذه الافكار كي تدرس الموضوع برؤية حياديّة تقريبية ناظرة الى مصالح جميع الشعوب الاسلامية، تقترح الخطط والمشاريع وفقا لآليات تنفيذية تتناسب مع امكانيات كل دولة في عالمنا الاسلامي؛ فان الجهود بهذا الخصوص مبذولة الى حد ما،  اما الاهتمام الذي ينبع عن ارادة جدية يحتاج الى اكثر مما هو موجود بكثير.

  البنية الاقتصادية لها تأثير مباشر و غير مباشر على سائر مجالات الحياة السياسية، والعسكرية، والامنية وحتى الدعوة الاسلامية الشاملة في طريق هداية الانسان، وبخصوص الاخير لقد كانت تبذل اموال على مشاريع التفرقة لاستئجار الصحف والاذاعات، و بناء المؤسسات واستخدام العناصر و تشغيل العقول الاسلامية في اتجاه معاكس لطريق التقريب والوحدة الاسلامية واليوم ايضاً قد تكليف مشاريع مكافحة الارهاب على حد التعبير والمصطلح المتداول الكثير من انفاق ثروة العالم الاسلامي الانسانيةوالمالية و.. قد يكون كثير من التعصب والتحجر الاعمي هو وليد تلك المشاريع التي فرقت بين المسلمين باساليب ناجمه من عدم عقلانية ومدروسة تصب في مصلحة الامة الاسلامية ككل وكل هذه المشاريع السابقة قد كلفت المسلمين كثيراً  وعلى حد تعبير المرحوم الشيخ  احمد كفتارو: ان ربع هذه التكاليف كافية لتنشيط الدعوة الاسلامية على مستوى العالم كله، فيما توجه بقية تلك النفقات لجهة معالجة مشاكل العالم الاسلامي الاقتصادية المتفاقمة في جانب تحقيق الحياة الكريمة للشعوب الاسلامية الفقيرة.

  

العالم الاسلامي

 نظرة سريعة الى واقع العالم الاسلامي وقدراته وثرواته تكشف الحقائق الكامنة وسر التخلف والتبعيّة.

 فمساحة العالم الاسلامي (23 كم) وربع مساحة اليابسة للعالم (149 كم) واراضيه الزراعية حوالي 3/11% من مساحة العالم الاسلامي و هي مشبعه في اكثر دولها بالمياه العذبة وحسب قول العلماء فان الموقع الجغرافي على الكرة الارضية تجعله يشكل قلب العالم كله والثروة  الانسانيةالتي يمتلكها العالم الاسلامي تقدر حوالي ربع سكان ا لعالم فاذا دخلت الدول الاسلامية في مشروع اسلامي يستخدم الطاقات الموجودة سوف ترتفع حتى مشكلة الاكتطاظ السكاني في بعض الدول. وثرواتها الطبيعية نعمه و موهبة الهية يتمناها الاقوياء قبل الضعفاء اختزان ثلثي الاحتياطي العالمي للنفط وحوالي ربع الغاز الاحتياطي وعشر الحديد وكثرة المعادن الاخرى من الذهب الى النحاس بنسب متفاوتة

 كل هذه الثروات تجعل من هذا العالم الاسلامي قوة مؤهلة لتنافس القوى والتكتلات الاقتصادية الكبيرة في العالم لو حسن استخدام هذه الثروات تحت قيادة حكيمه وادارة نظيفه وعقول مؤمنه بربها وواثقة بقدراتها وتسعى من اجل اجيالها المستقبلية.

 وهنا نجدد التأكيد على السعي لتنفيذ اغلبية المشاريع المطروحة في مؤتمرات عديدة من قبل الاخصائيين ونؤكد بالحاح على اهم الشاريع واكثرها مصلحة ونفعاً للعالم الاسلامي وهو اقامة السوق الاسلامية المشتركة رغم المساعي الحميدة المبذول في جوانب عديدة من اعداد البحوث الى مراحل التقنين والتنفيذ.

  

السوق الاسلامية المشتركة

 فالحديث عن اقامة مثل هذا السوق بين الدول الاسلامية مهم شيق، مع ملاحظة ان العالم اليوم متوجها نحو تكتلات اقتصادية صغيرة وكبيرة في دول غنية وقوية – فكيف بالدول الضعيفة – كالاتحاد الاوروبي ورابطة دول جنوب شرق آسيا، ومنطقة التجارة الحرة لاميركا الشمالية ومنتدى التعاون لآسيا والباسيفيك، واتحادات أخرى في العالم – بحيث بات من المؤكد ان الدول لا تستطيع بمفردها منافسة التجمعات  الاقتصادية او أي ترتيبات تجارية اقليمية، والا سوف تكون مهمشة او فريسة يسهل اقتناصها بواسطة التكتلات الموجودة على الساحة الاقتصادية والتجارية العالمية.

 فإقامة مثل هذه السوق بعد دراسة ونقد مستمر حتى أثناء التنفيذ بواسطة الخبراء الاقتصاديين – يعتبر من الصور الكاملة الاقتصادية ويعبر عن نوع من الاندماج الاقتصادي المزيل لموانع الحركة الاقتصادية في كافة الدول  الاسلامية، وكما اشرنا ان تحقيق هذه  الصورة يحتاج الى ارادة دولية بين دولة الاعضاء في العالم الاسلامي، والتي تشتمل على دعم اصحاب رؤوس الاموال وتسهيل انتقال اموالهم وحركتهم وتوفير جذب السلع المفقودة من بلد الى آخر، ورفع القيود المعوقة لاقامة السوق وتخفيضها كالرسوم الجمركية والضرائب و حرية العمل وممارسة الانشطة الاقتصادية والسماح للشركات الاقتصادية بالتمثيل واعطاء الاولوية للدولة الاسلامية في حالات التشابه وباختصار فسح المجال للدول الاسلامية فيما بينها لتفعيل الحركة الاقتصادية بشكل عادل وروح اسلامية تعاونية وبعيدة عن النفعية الغربية واستهلاك منتوجات الدول الاسلامية بعد تحسنها وايجاد رغبة عملية في المواطنين عبر جميع وسائل الاعلام والتعليم والتثقيف المتواصل والتأكيد على التكاتف وحماية بعضها بعضاً حتى الوصول الى حالة الاستقلال في العالم الاسلامي والتعاون مع الاخر من التكتلات وفقا للمصالح المتبادلة.

 ومما لا شك فيه فقد بذلت منظمة المؤتمر الاسلامي – وهي اكبر منظمة دولية بعد هيئة الامم المتحدة لاحتوائها  على 57 دولة افريقية وآسيوية وأوروبية وأميركية – في طريق اقامة السوق الاسلامية من تأسيس البنك الاسلامي للتنمية الى تأسيس مركز الاحصاء الاقتصادي والبحوث الاجتماعية والتدريب، وانشاء مركز التدريب الفني والمهني والجامعة الاسلامية  التكنولوجية، وغرفة التجارة والصناعة الاسلامية، وكثير من المشاريع الاخرى.

 مع تقديرنا لهذه الجهود فان المتحقق من الاهداف  الاقتصادية ما يزال بعيدا عن الخطة المرسومة، و لا يرقى الى طموحات الشعوب الاسلامية في الوحدة والتكامل.

 ودعوة الدول والشعوب الى تحقيق هذه الامنيات التي نأمل ان تتحول، في أقرب وقت ممكن الى دعوة تقريبية  أساسية في طريق وحدة الامة الاسلامية.

  

الاستراتيجية التقريبية

 ما احوجنا اليوم  الى استراتيجية تقريبية لصالح عالمنا الاسلامي تقدّم من قبل المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب  الاسلامية او أي منظمة واتحاد وكتلة اسلامية، وتكون هذه الاستراتيجية منسجمة مع الاستراتيجية  المرسومة على مستوى منظمة المؤتمر الاسلامي لتحظى بتأييد ودعم المنظمة تسهيلاً لتطبيقها على صعيد الواقع الاسلامي. ومن الطبيعي ان تحتوي هذه الخطة الخطيرة على اهم ما يهدف  المجتمع الاسلامي ومايصبو اليه من مصالح تعم الامة الاسلامية برمتها هناك امور يمكن ان تؤخذ بعين الاعتبار في رسم الاستراتيجية التقريبية المتوخاة.

 1ـ رسم الاولويات المرجوّه لصالح المسلمين مع ملاحظة المحاور المهمة لاستراتيجية التقريب الواردة في هذا المقال واقترح ان تكون القضيّة الفلسطينية دُرّة التاج لهذه الاستراتيجية وعلى سلم اولوياتها وعلينا ان لا ننسى كلام الامام الخميني الراحل قبل ثلاثة وعشرين عام مخاطباً العالم الاسلامي.

 «على قادة الدول الاسلامية ان ينتبهوا الى جرثومة الفساد هذه التي زرعت في قلب العالم الاسلامي لايراد منها القضاء على الامة العربية فحسب بل ان خطرها وضررها يهدد الشرق الاوسط باسره، فالمخطط المرسوم يقضي بقيام الصهيونية بالسطيرة والاستيلاء على العالم الاسلامي، واستعمار اوسع للارض والموارد الغنية للبلدان الاسلامية، وان التخلص من شر هذا الكابوس الاستعماري الاسود لا يتم الا من خلال التضحية والصحوة واتحاد الدول الاسلامية.

 2- السعي الى تقديم مناهج تعليمية وتربويّة من الابتدائية الى الدراسات العليا تهدف الى تربية جيل من ائمة فكر ودين يقدمون على عمل ايجابي للوقوف امام الاعمال والافكار الناتجة من التعصب والغلو ولا يخافون في الله لومة لائم.

 3- الحد من الشائعات التي تلفق وتصدق عند الاخر والتي تدعو الى الفرقة والاختلاف السلبي بين المسلمين وذلك وفقاً لبرنامج اعلامي وموحد من خلال  جميع وسائل  الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة لدى اجهزة الدول الاسلامية وارشاد العلماء والمفكرين الاسلاميين لكافة قطاعات المجتمع الاسلامي.

 4- دعوة النخب الفكرية الاسلامية وعلماء المذاهب الاسلامية  الى دعم صوت التقريب بافكارهم البنائة وتعاليمهم الاسلامية وارشاداتهم التوعوية والسبل العملية، هذا الصوت المتمثل اليوم بمجلة رسالة التقريب الصادرة عن المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية وقد يذل المشرفون عليها منتهى الجهد لتحقيق الاهداف التقريبية السامية لكنه باعتقادنا كل مابذل هو دون المستوى المطلوب الا اذا اسعفنا باسهامات ارباب الفكر بمقالات وبحوث قيّمة.

 5- واخيراًً ينبغي التأكيد على مقترحات قدمت في مؤتمرات تقريبية سابقة، يراد تطبيقها والاستمرار في ترجمتها الى الواقع العملي بين اوساط النخب والعلماء وكافة ابناء الامة، كالعمل على جمع كلمة ارباب المذاهب الاسلامية والسعي الى ازالة ما يوجب  الفرقة والاختلاف المذموم في الموقف العملي ونشر الكتب و الرسائل والمجلات التقريبية، ودعوة الصحف والاذاعات وجميع وسائل الاعلام الى نهج تقريبي منسق يصب نهاية في طريق الوحدة الاسلامية، وعقد المؤتمرات التقريبية وحث الجامعات، والاسلامية منها بالاهتمام بالثقافة الاسلامية العامة ونشر قواميس الحديث والرجال الجامعة لاستفادة العلماء والاستنفاع بالمساجد والمدارس و… وكل الامكنة التعليمية لتقديم مناهج تربوية تقريبية مدروسة للجيل القادم.

 توصية ومطالبة الدول الاسلامية بالاهتمام بمراكز البحوث بتدعيمها وتشجيعها. ومن المؤسف ان نسمع ان الإنفاق في الدول الاسلامية على البحث العلمي قد تراجع خلال السنوات الاخيرة، في الوقت الذي ارتفع في الدول النامية.

  واختم المقال بكلام للعلامة الفيلسوف محمد تقي الجعفري:

 «فان الاختلاف في مسيرةالتنافس البناء افضل عنصر لتطور المعرفة والعمل بدونه سوف لا تكون له تكاملية في حقلي الحقيقتين المذكورتين (المعرفة والعمل). ولا توجد في الاسلام اوامر تدعو المسلمين الى النشاط الدماغي الموحد والوصول الى نتيجة واحدة، من جهة اخرى فان الاسلام يشدد على الدراسة والجهود الاجتهادية الدائمة والمستمرة، وهذا لا يتحقق اذا لم يبرز الاختلاف الذي هو ظاهرة طبيعية معلولة لحيوية المعارف الاسلامية، وعليه ان يقع الاختلاف في طريق التنافس البناء وليس في النزاعات الهدامة، وربما يستغل هذا التنافس الايجابي (كما هو الحال) من قبل اصحاب السلطة([7]).

 

 [1] - اصل الشيعة واصولها – محمد حسين آل كاشف الغطاء – مؤسسه الامام علي(ع)صفحه116.

 [2] - وحدة الامة الاسلامية في قرن الحادي والعشرين ، مؤتمر كولالمبور ماليزيا –صفحة263.

 [3] - مشروع التقريب واشكاليّات الوعي الديني – حيدر حب الله .

 [4] - التقريب بين المذاهب الاسلامية – كتاب الثقافة الاسلامية رقم 7 – الصفحة 163.

 [5] - رسالة التقريب. عدد 36 – ص 292.

 [6] - اسرائيل مشروع استعماري ، ص 21.

 [7] - رسالة التقريب عدد 42 – ص 141.