[ 389 ] أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، وقتل عثمان بن عفان تخوفت على نفسي الفتنة، فاعتزمت على اعتزال الناس، فتنحيت إلى ساحل البحر، فإقمت فيه حينا لا أدرى ما فيه الناس، (معتزلا لاهل البحر (1) والارجاف (2)) (3). فخرجت من بيتى لبعض حوائجى، وقد ها (4) الليل ونام الناس، فإذا أنا برجل على ساحل البحر يناجى ربه ويتضرع إليه بصوت شجى (5) وقلب حزين فنصت (6) له وأصغيت (7) إليه من حيث لا يرانى، فسمعته يقول: يا حسن الصحبة، يا خليفة النبيين، أنت أرحم الراحمين، البدئ البديع الذى ليس كمثلك شئ، والدائم غير الغافل، والحى الذى لا يموت، أنت كل يوم في شأن، أنت خليفة محمد، وناصر محمد، ومفضل محمد، أنت الذى (8) أسألك أن تنصر وصى محمد، والقائم بالقسط بعد محمد، اعطف عليه نصرك أو توفنى برحمة. قال: ثم رفع رأسه، فقعد (9) مقدار التشهد، ثم إنه سلم فيما أحسب تلقاء وجهه، ثم مضى فمشى على الماء، فناديته من خلفه: كلمني يرحمك الله، فلم يلتفت، وقال: الهادى خلفك، فاسأله عن أمر دينك، قال: قلت: من هو ؟ قال: وصى محمد من بعده، فخرجت متوجها إلى الكوفة، فأمسيت دونها، فبت قريبا من الحيرة، فلما أجننى الليل إذ أنا برجل قد أقبل حتى استتر برابية (10) ثم صف قدميه، فإطال المناجاة، وكان فيما قال: اللهم إنى ________________________________________ 1) في المصدر: " لاهل الهجر ". 2) الارجاف (بكسر الهمزة): الخوض في الاخبار السيئة والفتن بقصد أن يهيج الناس. 3) " البحار " خال عما بين القوسين. 4) هدء: سكن، هدء الليل: نام الناس فيه. 5) الشجى: الحزين. 6) نصت له (بصيغة المتكلم): سكت مستمعا له. 7) في البحار: " فآنست إليه ". 8) ليس في البحار: " أنت الذى ". 9) في البحار ": " وجلس بقدر التشهد ". 10) الرابية: ما ارتفع من الارض. ________________________________________