إنّه غير ما كان قبل التأويل، إنّه ليشعر، وهو يسير على حصباء[179] الطريق التي ألهبتها الشمس، كأنّما يمشي على نَوْر[180] وأزهار، إنّه ليكاد يرى الفرحة تلوّن خدّيه، إنّه ليحسّ بعروقه تتدفّق فيها حُميّا[181] الشباب كسورة شراب. فالحنين إلى الغد الموعود هو مسرب[182] خطاه، والأمل فيه هو حاديه[183] وهاديه. كلّ ما مرّ به، ساعة عودته تلك إلى الحيّ والدار، تغيّر، غدا كأحلى ما تخيّل وخال أن يكون، والحلاوة ألوان. * * * في بصره كما في سمعه، وفي شعوره كما في يقينه، تبدّلت الأشياء والأُمور هيئةً بهيئة، سمةً بسمة، رنيناً برنين. تغيّرت صورةً وشكلاً، ومعنىً ودلالةً. الدنيا حوله جمال وخير، الناس خلاّن[184] وأصفياء، لاضيق باليوم بل رضاء، لا خشية من الغد بل طمأنينة. فوجمة[185] النذير إيذان ببشرى وبشر، وظلمة الليل طليعة الفجر، ولغط[186] الضوضاء شَدْو[187] ونَغَم، وعصف الرياح خطرات نسيم، ووقدة الهجير[188] برد وسلام.