وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

ولم يعد حينئذ شكّ في أنّ الهجرة وجبت على المؤمنين. ما وقع بنفس الزهراء من بضعة أشهر لم يعد اليوم حَدْسَ ظنٍّ، أو هَجس تصوّر واهم، بل أصبح وإنّه ليقين من اليقين ... وتهيّأت للأمر وأهل الدار وتلبّثت تنتظر على رغبة وأهبّة إشارة الرسول، فكلّ حركة بموعد، وكلّ خطوة بميقات. وإذا كان قد عزّ عليها أن تفارق مكة، فلا حرج عليها لو أخذها هذا الشعور، وقد علمت أنّ أباها ليلة مخرجه وقف على مرتفع رنا منه إلى البيت العتيق، وإلى البلدة التي تحتضنه، ثم قال وكلماته تكاد تتقاطر عبرات: «والله، إنّك لأحبّ أرض الله إليَّ، وإنّك لأحبّ أرض الله إلى الله، ولولا أنّ أهلك أخرجوني منك ما خرجت»[752] لكنّ أمراً آخر كان يشغل قلبها في هذه الآونة الأخيرة من عهدها بمهبط الوحي، ويملأه إلى حافّتيه، حتّى لتحسّه وكأنّه يفيض كما يفيض الإناء المترع بالماء ... إنّه لأمر الأثيرة «خديجة» جوهر الوفاء وزينة النساء. فما ماتت في فكر الابنة هذه الأُم التي ليس كمثلها امرأة في الأُمهات، ما غابت قطّ عن شردة خاطر، ولا خلجة بال، ما غربت شمس حياتها عن وجودها وإن كان جثمانها ليثوي في ثرى الحجون. وإذ آن الآن وقت الرحيل، فَلاتَ[753] لهذه الغالية حين رحيل! فلعلّ الفتاة الحزينة قد أُشربت ـ نفساً وبدناً ـ أسىً موجعاً، نفذ في وجدانها حتّى أعماق الأعماق، وتخلّل مسامّ بشرتها حتّى خالط الدماء في العروق، وهي ترى بعين المسافة إلى أيّ مدىً ستكون بعيدة عن المثوى[754] الحبيب. ثم لعلّها تلفتت فيما حولها، وما حوت الدار التي شهدتها وليدةً فصبيةً فيافعةً، فرأتها ـ بعين غدها ـ مهجورةً، قد أقفرت[755] من الأهل، فلا حركة قدم، ولا رفّة ثوب،