ـ(205)ـ وهكذا تجلت الموازنة بين الانتماءات والولاءات الأساسية والثانوية، دون تجاوز أو إلغاء. ثالثا: غزوة بدر لم يكلّف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأنصار بأي مهمة عسكرية قبل غزوة بدر، لأنهم كأفراد وكجماعة لم يصبهم من قريش أي أذى، وان كان الصراع بين قريش والمسلمين صراعا عقائديا، إلا انه راعى طبيعة الأوضاع والأحداث ولم يكلف الأنصار بمهمة تبعا للعقيدة ومتطلباتها وإنّما اقتصرت المهام على المهاجرين الذين اخرجوا من ديارهم ظلماً وعدوانا بعدما تعرضوا للاضطهاد والأذى والتعذيب، فكانت البعوث والغزوات مقتصرة عليهم، ففي السنة الأولى من الهجرة والأشهر الأولى من السنة الثانية كلف عمه حمزة ومعه عدد من المهاجرين للتعرض إلى قافلة قريش التجارية، وبعث بعده سعد بن أبي وقاص إلى الابواء، وبعث عبدالله بن جحش في رهط من المهاجرين لاستطلاع الأوضاع، وجميع هذه الغزوات والبعوث لم يشترك بها أي رجل من الأنصار(1). وحينما أراد التوجه إلى بدر جمع أصحابه وقال: أشيروا عليّ أيها الناس، وكان يقصد الأنصار لأنه يخشى من الأنصار ان لا يرون نصرته إلا ممن دهمه بالمدينة حسب اتفاق البيعة، وليس عليهم ان يسير بهم خارج المدينة، فقال لـه سعد بن معاذ: لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: أجل، قال: قد آمنّا بك وصدّقناك وأعطيناك عهودنا، فامض يا رسول الله لما أُمرت(2). ________________________________ 1 ـ الكامل في التاريخ 2: 111 ـ 112 ـ 113. 2 ـ الكامل في التاريخ 2: 120 ابن الأثير، دار صادر بيروت 1965م.