ـ(206)ـ فقد راعى صلى الله عليه وآله وسلم خصوصية توجه الأنصار التي تفرضها الظروف المحيطة بهم، فلم يكلّفهم فوق طاقتهم، مراعيا طبيعة الانتماء والولاء الثانوي، ولم يسر بهم لقتال قريش إلا بعد ان وجدهم متهيئين لذلك متجاوزين خصوصية الانتماء والولاء الثانوي. وفي غزواته جميعا لم يخصص حمل الراية بأحد الانتماءين وإنّما وزّعها عليهما فجعل (راية مع المهاجرين وراية مع الأنصار)(1). رابعاً: غزوة الخندق قبل غزوة الخندق بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى قائدي غطفان وأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن لا يشاركا قريش في حربه، ولكن لم تقع شهادة على ذلك ولا عزيمة صلح، فلما أراد صلى الله عليه وآله وسلم ان يمضي ذلك بعث إلى اثنين من قادة الأنصار واستشارهما في ذلك، مراعاة منه لظروف الأنصار الخاصة بهم وبانتماءهم المحدود، فقال لـه سعد بن معاذ: (يا رسول الله، قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك... وهم لا يطمعون ان يأكلوا منها تمرة إلا قرى أو بيعاً أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا لـه وأعنّرنا بك وبه، نعطيهم أموالنا... والله لا نعطيهم إلا السيف)، قال صلى الله عليه وآله وسلم: فأنت وذاك، فتناول الصحيفة، فمحا ما فيها من الكتاب(2). فقد راعى صلى الله عليه وآله وسلم خصوصية الانتماء واقر ما جاء في قول سعد لأن الثمار بالأصل هي ثمارهم وان كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو القيم عليهم، إلا انه استجاب لما أراده سعد باعتباره أحد رؤساء الأنصار وان الثمار تابعة لهم. ________________________________ 1 ـ السيرة النبوية 2: 464. 2 ـ السيرة النبوية 3: 234.