ـ(202)ـ السيرة النبوية والتوازن في الانتماء والولاء راعى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الانتماءات والولاءات الثانوية والجانبية، فلم يقم بتجاوزها والغائها، بل أقرها واثبتها كحقيقة موضوعية افرزها واقع المسلمين، وواقع الإنسان الذي يميل ويأنس لصنفه وجنسه، ويتجانس مع ما الفه في سيرته وحركته. ولكنه صلى الله عليه وآله وسلم هذّب المواقف العملية وجعلها تصب في المصلحة الإسلامية الكبرى، مصلحة العقيدة والشرعية والوجود والكيان الإسلامي، فوازن بين الانتماء الثانوي والانتماء الأساسي، وبين الولاء الثانوي والولاء الأساسي، وجعل الأساسي حاكما على الثانوي ومقدما عليه، مع بقاء الثانوي على حالة وحدوده المنسجمة مع الروابط والولاءات الإسلامية الكبرى. أو فيما يلي نستعرض سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الشأن: أولا: بيعة العقبة الثانية بايع الأنصار من الاوس والخزرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند العقبة، فقال لهم صلى الله عليه وآله وسلم (أخرجوا إليّ منكم اثني عشر نقيبا ؛ ليكونوا على قومهم بما فيهم)، فأخرجوا منهم اثني عشر نقيبا، تسعة من الخزرج، وثلاثة من الاوس(1). فأقرهم صلى الله عليه وآله وسلم على هذا الاختيار، حيث اختاروا العدد متناسبا مع نسبة الأفراد وانتماءهم للاوس والخزرج وللبيوتات والأسر المنضوية تحت كلا القبيلتين، وأقرّ صلى الله عليه وآله وسلم هذه التعددية، وأقرّ الانتماء الآخر الخارج عن انتماء الأنصار، فقال: ________________________________ 1 ـ السيرة النبوية 2: 85، ابن هشام، دار إحياء التراث العربي، بيروت.