ووجود الآية الكريمة في سورة الروم تنطوي على دلالة عميقة ذلك أن بدايات السورة حملت البشرى لأسرة الإيمان من العرب والرومان بنصر قريب بعد هزيمة ساحقة على يد الفرس الوثنيين في ذلك الحين، كما أن الآية جاءت وسط آيات أخرى من آيات الله الباهرة في الخليقة والطبيعة وسريان الرياح ونزول المطر، وإنبات الشجر والثمر، حتى لكان المقصود هو تركيز المقارنة، فكما أن الاختلاف في الأوقات والمواسم سبب للخصب والخير والجمال، فالاختلاف في الحضارات والثقافات والتقاليد، يغني التجربة الإنسانية، ويحفز الإنسان ليقتبس من غيره، ويقدم له أحسن مالديه من علم أو معرفة. ان «العولمة» التي نرجوها لنا وللناس هي التي تسير وفق هذه الخطوط الربانية: أن تكون متصلة بنور الخالق والإيمان به حتى لا تضل ولا تتعسف، ولا تحيل العالم إلى غابة كبيرة يأكل فيها القوي الضعيف، ويجب إلا تعني طغيان ثقافة بعينها على ثقافات الآخرين، أو تستغل عوامل القوة المتاحة لها، لكي تمحو حضاراتهم وتقاليدهم وثقافاتهم، فمثل هذا الهدف جدير بأن يخلق عوامل المقاومة والرفض ويهيّئ المجال للعنف والحروب الصغيرة والكبيرة، إضافة إلى أنه يحرم العالم من التجارب الإنسانية الغزيرة التي يستحيل احتكارها، والتي أسهم فيها العلماء والحكماء في كل أرض، وصدق الله العظيم «ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة»(1 ). وقوله تعالى «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة»(2 ). شبابنا… والعولمة من الطبيعي أن ينتهي هذا البحث إلى السؤال الطبيعي عن دور الشباب المسلم من هذه الهجمة الضارية ونقول: – ابتداء – أن النظرة الواقعية تجعل من الصعب أن تحدد دورا للشباب المسلم بمعزل عن دور الأمة كلها بحكوماتها وشعوبها وأجهزتها السياسية والاقتصادية، ذلك أن طبيعة «العولمة» تتجه إلى كل مناحي حياتنا لتؤثر فيها ضمن تخطيط شامل متكامل، وينبغي أن يكون التعامل معها من نفس العيار، سواء كنا ننشد الإفادة من الفرص الايجابية التي تقدمها وهي موجودة فعلا، أو نريد التوقي من المحاذير والأخطار.ومن المؤسف أننا حين نستعرض مواقف الدول العربية – الإسلامية فرادى أو جماعة إزاء مخاطر «العولمة» لا نملك سوى أن نقول مع القرآن الكريم: «يرتد البصر خاسئا وهو حسير». إلا أن ميدان الحكومات يبقى هو الميدان الأول للعمل الإسلامي المنظم والتأثير عليها كي تنفض غبار الكسل والتواكل يبقى أوجب الواجبات.