وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

باب ما يجب بمحظورات الإحرام من الكفارة وغيرها .
إذا حلق المحرم رأسه فكفارته أن يذبح شاة أو يطعم ستة مساكين ثلاثة آصع لكل مسكين نصف صاع أو يصوم ثلاثة أيام وهو مخير بين الثلاثة لقوله تعالى : { فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } [ البقرة 196 ] ولحديث كعب بن عجرة وإن حلق ثلاثة شعرات كانت كفارته ما ذكرناه في حلق الرأس لأنه يقع عليه اسم الجمع المطلق فصار كما لو حلق جميع رأسه وإن حلق شعر رأسه وشعر بدنه لزمه ما ذكرناه وقال أبو القاسم الأنماطي يجب عليه فديتان لأن شعر الرأس مخالف لشعر البدن ألا ترى أنه يتعلق النسك بحلق الرأس ولا يتعلق بشعر البدن والمذهب الأول لأنهما وإن اختلفا في النسك إلا أن الجمع جنس واحد فأجزأه لهما فدية واحدة كما لو غطى رأسه ولبس القميص والسراويل وإن حلق شعره أو شعرتين ففيه ثلاثة أقوال أحدها يجب لكل شعر ثلث دم لأنه إذا وجب فيه ثلاثة شعرات دم وجب في كل شعرة ثلثه والثاني يجب لكل شعرة درهم لأن إخراج ثلث الدم يشق فعدل إلى قيمته وكانت قيمة الشاة ثلاثة دراهم فوجب ثلثها والثالث مد لأن الله تعالى عدل في جزاء الصيد من الحيوان إلى الطعام فيجب أن يكون ههنا مثله وأقل ما يجب من الطعام مد فوجب ذلك فإن قلم أظفاره أو ثلاثة أظفار وجب عليه ما وجب في الحلق وإن قلم ظفرا أو ظفرين وجب فيهما ما يجب في الشعرة أو الشعرتين لأن في معناهما .
فصل : وإن تطيب ولبس المخيط في شيء من بدنه أو غطى رأسه أو شيئا منه أو دهن على رأسه أو لحيته وجب عليه ما يجب في حلق الشعر لأنه ترفه وزينة فهو كالحلق وإن تطيب ولبس وجب لكل واحد منهما كفارة لأنهما جنسان مختلفان وإن لبس ثوبا مطيبا وجبت كفارة واحدة لأن الطيب تابع للثوب فدخل في ضمانه وإن لبس ثم لبس أو تطيب في أوقات متفرقة ففيه قولان : أحدهما تتداخل لأنها جنس واحد فأشبه إذا كانت في وقت واحد والثاني لا تتداخل لأنها في أوقات مختلفة فكان لكل وقت من ذلك حكم نفسه وإن حلق ثلاث شعرات في ثلاثة أوقات فهي على القولين إن قلنا يتداخل لزمه دم وإن قلنا لا يتداخل وجب لكل شعرة مد وإن حلق تسع شعرات في ثلاثة أوقات فعلى لقولين إن قلنا لا يتداخل وجب ثلاثة دماء وإن قلنا تتداخل لزمه دم واحد .
فصل : وإن وطئ في العمرة أو في الحج قبل التحلل الأول فقد فسد نسكه ويجب عليه أن يمضي في فاسده ثم يقضي لما روي عن عمرو وعلي وابن عمر وابن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص وأبي هريرة Bهم أنهم أوجبوا ذلك وهل يجب القضاء على الفور أو لا ؟ فيه وجهان أحدهما أنه على الفور وهو ظاهر النص لما روي عن عمر وعلي وابن عمر وابن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص وأبي هريرة Bهم أنهم قالوا يقضي من قابل والثاني أنه على التراخي لأن الأداء على التراخي فكذلك القضاء وهذا لا يصح لأن القضاء بدل عما أفسده من الأداء وذلك واجب على الفور فوجب أن يكون القضاء مثله ويجب الإحرام في القضاء من حيث أحرم في الأداء لأنه قد تعين ذلك بالدخول فيه فإذا أفسده وجب قضاؤه كحج التطوع فإن سلك طريقا آخر لزمه أن يحرم من مقدار مسافة الإحرام في الأداء وإن كان قارنا فقضاه بالإفراد جاز لأن الإفراد أفضل من القران ولا يسقط عنه دم القران لأن ذلك دم وجب عليه فلا يسقط عنه بالإفساد كدم الطيب وفي نفقة المرأة في القضاء وجهان : أحدهما في مالها كنفقة الأداء والثاني تجب على الزوج لأنها غرامة تتعلق بالوطء فكانت على الزوج كالكفارة وفي ثمن الماء الذي تغتسل به وجهان : أحدهما يجب على الزوج لما ذكرناه والثاني يجب عليها لأن الغسل يجب للصلاة فكان ثمن الماء عليها وهل يجب عليهما أن يفترقا في موضع الوطء ؟ فيه وجهان : أحدهما يجب لما روي عن عمر وعلي وابن عباس Bهم أنهم قالوا يفترقان ولأن اجتماعهما في ذلك الوقت يدعو إلى الوطء فمنع منه والثاني أنه لا يجب وهو الظاهر النص كما لا يجب في سائر الطريق ويجب عليه بدنة روي عن علي كرم الله وجهه أنه قال : على كل واحد منهما بدنة فإن لم يجد فبقرة لأن البقرة كالبدنة لأنها تجزيء في الأضحية عن سبعة فإن لم يجد لزمه سبع من الغنم فإن لم يجد قوم البدنة دراهم والدراهم طعاما فإن لم يجد الطعام صام عن كل مد يوما وقال أبو إسحاق : فيه قول آخر أنه مخير بين هذه الأشياء الثلاثة قياسا على فدية الأذى .
فصل : وإن كان المحرم صبيا فوطيء عامدا بنيت على القولين فإن قلنا إن عمده خطأ فهو كالناسي وقد بيناه وإن قلنا إن عمده عمد فسد نسكه ووجبت الكفارة وعلى من تجب فيه قولان : أحدهما في ماله والثاني على الولي وقد بيناه في أول الحج وهل يجب عليه القضاء فيه قولان : أحدهما لا يجب لأنها عبادة تتعلق بالبدن فلا تجب على الصبي كالصوم والصلاة والثاني يجب لأن من فسد الحج بوطئه وجب عليه القضاء كالبالغ فإن قلنا يجب فهل يصح منه في حال الصغر ؟ فيه قولان : أحدهما لا يصح لأنه حج واجب فلا يصح من الصبي كحجة الإسلام والثاني يصح لأنه يصح منه أداؤه فصح منه قضاؤه كالبالغ وإن وطيء العبد في إحرامه عامدا فسد حجه ويجب عليه القضاء ومن أصحابنا من قال : لا يلزمه لأنه ليس من أهل فرض الحج وهذا خطأ لأنه يلزمه الحج بالنذر فلزمه القضاء بالإفساد كالحر وهل يصح منه القضاء في حال الرق ؟ على القولين على ما ذكرناه في الصبي فإن قلنا إنه يصح منه القضاء فهل للسيد منعه ؟ منه يبنى على الوجهين في أن القضاء على الفور أم لا فإن قلنا إن القضاء على التراخي فله منعه لأن حق السيد على الفور فقدم على الحج وإن قلنا على الفور ففيه وجهان : أحدهما أنه لا يملك منعه لأن موجب ما أذن فيه وهو الحج فصار كما لو أذن فيه والثاني أنه يملك منعه لأن المأذون فيه حجة صحيحية فإن أعتق بعد التحلل من الفاسد وقبل القضاء لم يجز أن يقضي حتى يحج الإسلام ثم يقضي وإن أعتق قبل التحلل من الفاسد نظرت فإن كان بعد الوقوف مضى في فاسده ثم يحج حجة الإسلام في السنة الثانية ثم يحج عن القضاء في السنة الثالثة وإن أعتق قبل الوقوف مضى في فاسده ثم يقضي ويجزئه ذلك عن القضاء وعن حجة الإسلام لأنه لو لم يفسد لكان أداؤه يجزئه عن حجة الإسلام فإذا فسد وجب أن يجزئه قضاؤه عن حجة الإسلام .
فصل : وإن وطيء وهو قارن وجب مع البدنة دم القران لأنه دم وجب بغير الوطء فلا يسقط بالوطء كدم الطيب .
فصل : وإن وطيء ثم وطيء ولم يكفر عن الأول ففيه قولان : قال في القديم يجب عليه بدنة واحدة كما لو زنى ثم زنى كفاه لهما حد واحد وقال في الجديد يجب عليه للثاني كفارة أخرى وفي الكفارة الثانية قولان : أحدهما شاة لأنها مباشرة لا توجب الفساد فوجبت فيها شاة كالقبلة بشهوة والثاني يلزمه بدنة لأنه وطء في إحرام منعقد فأشبه الوطء في إحرام صحيح وإن وطيء بعد التحلل الأول لم يفسد حجه لأنه قد زال الإحرام فلا يلحقه فساد وعليه كفارة وفي كفارته قولان : أحدهما بدنة لأنه وطيء في حال يحرم فيه الوطء فأشبه ما قبل التحلل والثاني أنها شاة لأنها مباشرة لا توجب الفساد فكانت كفارته شاة كالمباشرة فيما دون الفرج وإن جامع في قضاء الحج لزمته بدنة ولا يلزمه إلا قضاء حجة واحدة لأن المقضى واحد فلا يلزمه أكثر منه .
فصل : والوطء في الدبر واللواط وإتيان البهيمة كالوطء في القبل في جميع ما ذكرناه لأن الجميع وطء .
فصل : وإن قبلها بشهوة أو باشرها فيما دون الفرج بشهوة لم يفسد حجه لأنها مباشرة لا توجب الحد فلم تفسد الحج كالمباشرة بغير شهوة ويجب عليه فدية الأذى لأنه استمتاع لا يفسد الحج فكانت كفارته ككفارة فدية الأذى والطيب والاستمناء كالمباشرة فيما دون الفرج لأنه بمنزلتها في التحريم والتعزير فكان بمنزلتها في الكفارة .
فصل : وإن قتل صيد نظرت فإن كان له مثل من النعم وجب عليه مثله من النعم والنعم هي الإبل والبقر والغنم والدليل عليه قوله D { من قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم } [ المائدة : 95 ] فيجب في النعامة بدنة وفي حمار الوحش وبقرة الوحش بقرة وفي الضبع كبش وفي الغزال عنز وفي الأرنب عناق وفي اليربوع جفرة لما روي عن عثمان وعلي وابن عباس وزيد بن ثابت وابن الزبير ومعاوية Bهم أنهم قضوا في النعامة ببدنة وعن عمر Bه أنه جعل في حمار الوحش بقرة وحكم في الضبع بكبش وفي الأرنب بعناق وفي اليربوع بجفرة وعن عثمان Bه أنه حكم في أم حبين بحلان وهو الحمل فما حكم في الصحابة فلا يحتاج إلى اجتهاد وما لم تحكم في الصحابة يرجع في معرفة المماثلة بينه وبين النعم إلى عدلين من أهل المعرفة لقوله تعالى { يحكم به ذوا عدل منكم هديا } [ المائدة : 95 ] وروى قبيصة بن جابر الأسدي قال : أصبت ظبيا وأنا محرم فأتيت عمر Bه ومعي صاحب لي فذكرت له فأقبل على رجل إلى جنبه فشاوره فقال لي : اذبح شاة فلما انصرفنا قلت لصاحبي إن أمير المؤمنين لم يدر ما يقول فسمعني فأقبل علي ضربا بالدرة وقال : أتقتل صيدا وأنت محرم وتغمص الفتيا أي تحتقرها وتطعن فيها قال الله D { يحكم به ذوا عدل منكم } ها أنا ذا عمر وهذا ابن عوف والمستحب أن يكونا فقيهين وهل يجوز أن يكون القاتل أحدهما ؟ فيه وجهان : أحدهما لا يجوز كما لا يجوز أن يكون المتلف للمال أحد المقومين والثاني أنه يجوز وهو الصحيح لأنه يجب عليه لحق الله تعالى فجاز أن يجعل من يجب عليه أمينا فيه كرب المال في الزكاة ويجوز أن يفدى الصغير بالصغير والكبير بالكبير فإن فدى الذكر بالأنثى جاز لأنها أفضل وإن فدى الأعور من اليمين بالأعور من اليسار جاز لأن المقصود فيهما واحد .
فصل : وإذا وجب عليه المثل فهو بالخيار بين أن يذبح المثل ويفرقه وبين أن يقومه بالدراهم والدراهم طعاما ويتصدق به وبين أن يصوم عن كل مد يوما لقوله تعالى { هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما } [ المائدة : 95 ] .
فصل : وإن جرح صيدا له مثل فنقص قيمته فالمنصوص أنه يجب عليه عشر ثمن المثل وقال بعض أصحابنا يجب عليه عشر المثل وتأول النص عليه إذا لم يجد عشر المثل لأن ما ضمن كله بالمثل ضمن بعضه بالمثل كالطعام والدليل على المنصوص أن إيجاب بعض المثل يشق فوجب العدول إلى القيمة كما عدل في خمس من الإبل إلى الشاة حين شق إيجاب جزء من البعير وإن ضرب صيدا حاملا فأسقطت ولدا حيا ثم ماتا ضمن الأم بمثلها وضمن الولد بمثله وإن ضربها فأسقطت جنينا ميتا والأم حية ضمن ما بين قيمتها حاملا وحائلا ولا يضمن الجنين .
فصل : وإن كان الصيد لا مثل له من النعم وجب عليه قيمته في الموضع الذي أتلفه فيه لما روي أن مروان سأل ابن عباس Bه عن الصيد يصيده المحرم ولا مثل له من النعم قال ابن عباس : ثمنه يهدى إلى مكة ولأنه تعذر إيجاب المثل فيه فضمن بالقيمة كمال الآدمي فإذا أراد أن يؤدي فهو الخيار بين أن يشتري بثمنه طعاما ويفرقه وبين أن يقوم ثمنه طعاما ويصوم عن كل مد يوما وإن كان الصيد طائرا نظرت فإن كان حماما وهو الذي يعب ويهدر كالذي يقتنيه الناس في البيوت كالدبسي والقمري والفاختة فإنه يجب فيه شاة لأنه روي ذلك عن عمر وعثمان ونافع بن عبد الحارث وابن عباس Bهم ولأن الحمام يشبه الغنم لأنه يعب ويهدر كالغنم فضمن به وإن كان أصغر من الحمام كالعصفور والبلبل والجراد ضمنه بالقيمة لأنه لا مثل له فضمن بالقيمة وإن كان أكبر من الحمام كالقطا واليعقوب والبط والأوز فيه قولان : أحدهما يجب فيه شاة لأنها إذا وجبت في الحمام فلأن تجب في هذا وهو أكبر أولى والثاني أنه يجب فيها قيمتها لأنه لا مثل لها من النعم فضمن بالقيمة وإن كسر بيض صيد ضمنه بالقيمة وإن نتف ريش طائر ثم نبت ففيه وجهان : أحدهما لا يضمن والثاني يضمن بناء على القولين فيمن قلع شيئا ثم نبت .
فصل : وإن قتل صيدا بعد صيد لكل واحد منهما جزاء لأنه ضمان متلف فيتكرر بتكرر الإتلاف وإن اشترك جماعة من المحرمين في قتل صيد وجب عليهم جزاء واحد لأنه بدل متلف يتجزأ فإذا اشترك الجماعة في إتلافه قسم البدل بينهم كقيم المتلفات وإذا اشترك حلال وحرام في قتل صيد وجب على المحرم نصف الجزاء ولم يجب على الحلال شيء كما لو اشترك رجل وسبع في قتل آدمي وإن أمسك محرم صيدا فقتله حلال ضمنه المحرم بالجزاء ثم يرجع به على القاتل لأن القاتل أدخله في الضمان فرجع عليه كما لو غصب مالا من رجل فأتلفه آخر في يده .
فصل : وإن جنى على صيد فأزال امتناعه نظرت فإن قتله غيره ففيه طريقان : قال أبو العباس : عليه ضمان ما نقص وعلى القاتل جزاؤه مجروحا إن كان محرما ولا شيء عليه إن كان حلالا وقال غيره فيه قولان : أحدهما عليه ضمان ما نقص لأنه جرح ولم يقتل فلا يلزمه جزاء كامل كما لو بقي ممتنعا ولأنا لو أوجبنا عليه جزاء كاملا وعلى القاتل وإن كان محرما - جزاء كاملا سوينا بين القاتل والجارح ولأنه يؤدي إلى أن نوجب على الجارح أكثر مما يجب على القاتل لأنه يجب على الجارح جزاؤه صحيحا وعلى القاتل جزاؤه مجروحا وهذا خلاف الأصول والقول الثاني أنه يجب عليه جزاؤه كاملا لأنه جعله غير ممتنع فأشبه الهالك فأما إذا كسره ثم أخذه وأطعمه وسقاه حتى بريء نظرت فإن عاد ممتنعا ففيه وجهان كما قلنا فيمن نتف ريش طائر فعاد ونبت فإن لم يعد ممتنعا فهو على القولين أحدهما يلزمه ضمان ما نقص والثاني يلزمه جزاء كامل .
فصل : والمفرد والقارن في كفارات الإحرام واحد لأن القارن كالمفرد في الأفعال فكان كالمفرد في الكفارات .
فصل : ويحرم صيد الحرم على الحلال والمحرم لما روى ابن عباس Bه أن رسول الله A قال : [ إن الله تعالى حرم مكة لا يختلي خلاها ولا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها ] فقال العباس Bه : إلا الإذخر لصاغتنا فقال : إلا الإذخر وحكمه في الجزاء حكم صيد الإحرام لأنه مثله في التحريم فكان مثله في الجزاء فإن قتل محرم صيدا في الحرم لزمه جزاء واحد لأن المقتول واحد فكان الجزاء واحدا كما لو قتله في الحل وإن اصطاد الحلال صيدا في الحل وأدخله إلى الحرم جاز له التصرف فيه بالإمساك والذبح وغير ذلك مما كان يملكه قبل أن يدخله إلى الحرم لأنه من صيد الحل فلم يمنع من التصرف فيه وإن ذبح الحلال صيدا من صيود الحرم لم يحل له أكله وهل يحرم على غيره فيه طريقان من أصحابنا من قال : هو على قولين كالمحرم إذا ذبح صيدا ومنهم من قال : يحرم ههنا قولا واحدا لأن الصيد في الحرم محرم على كل أحد فهو كالحيوان الذي لا يؤكل فإن رمى من الحل إلى صيد في الحرم فأصابه لزمه الضمان لأن الصيد في موضع أمنه وإن رمى من المحرم إلى صيد في الحل فأصابه لزمه ضمانه لأن كونه في الحرم يوجب عليه تحريم الصيد فإن رمى من الحل إلى صيد في الحل ومر السهم في موضع من الحرم فأصابه فيه وجهان : أحدهما يضمنه لأن السهم مر من الحرم إلى الصيد والثاني لا يضمنه لأن الصيد في الحل والرمي في الحل وإن كان في الحرم شجرة وأغصانها في الحل فوقعت حمامة على غصن في الحل فرماه من الحل فأصابه لم يضمنه لأن الحمام غير تابع للشجر فهو كطير في هواء الحل وإن رمى صيدا في الحل فعدل السهم فأصاب صيدا في الحرم فقتله لزمه الجزاء لأن العمد والخطأ في ضمان الصيد واحد وإن أرسل كلبا في الحل على صيد في الحل فدخل الصيد الحرم وتبعه الكلب فقتله لم يلزمه الجزاء لأن الكلب اختيارا وقد دخل إلى الحرم باختياره بخلاف السهم قال في الإملاء : إذا أمسك الحلال صيدا في الحل وله فرخ في الحرم فمات الصيد في يده ومات الفرخ لأنه مات في الحرم بسبب من جهته ولا يضمن الأم لأنه صيد في الحل مات في يد الحلال .
فصل : وإن دخل كافر إلى الحرم فقتل فيه صيدا فقد قال بعض أصحابنا : يجب عليه الضمان لأنه ضمان يتعلق بالإتلاف فاستوى فيه المسلم والكافر كضمان الأموال ويحتمل عندي أنه لا ضمان عليه لأنه غير ملتزم لحرمة الحرم فلم يضمن صيده .
فصل : ويحرم عليه قطع شجر الحرم ومن أصحابنا من قال : ما أنبته الآدميون يجوز قلعه والمذهب الأول لحديث ابن عباس Bهما ولأن ما حرم لحرمة الحرام استوى فيه المباح والمملوك كالصيد ويجب فيه الجزاء فإن كانت شجرة كبيرة ضمنها ببقرة وإن كانت صغيرة ضمنها بشاة لما روي عن ابن عباس Bه أنه قال : في الدوحة بقرة وفي الشجرة الجزلة شاة فإن قطع غصنا منها ضمن ما نقص فإن نبت مكانه فهل يسقط عنه الضمان ؟ على قولين بناء على القولين في السن إذا قلع ثم نبت ويجوز أخذ الورق ولا يضمنه لأنه لا يضربها وإن قلع شجرة من الحرم لزمه ردها إلى موضعها كما إذا أخذ صيدا منه لزمه تخليته فإن أعادها إلى موضعها فنبتت لم يلزمه شيء وإن لم تبت وجب عليه ضمانها .
فصل : ويحرم قطع حشيش الحرم لقوله A [ ولا يختلى خلاها ] ويضمنه لأنه ممنوع من قطعه لحرمة الحرم فضمنه كالشجر وإن قطع الحشيش فنبت مكانه لم يلزمه الضمان قولا واحدا لأن ذلك يستخلف في العادة فهو كسن الصبي إذا قلعه فنبت مكانه بخلاف الأغصان ويجوز قطع الإذخر لحديث ابن عباس Bه ولأن الحاجة تدعو إليه ويجوز رعي الحشيش لأن الحاجة تدعو إلى ذلك فجاز كقطع الإذخر ويجوز قطع العوسج والشوك لأنه مؤذ فلم يمنع من إتلافه كالسبع والذئب .
فصل : ولا يجوز إخراج تراب الحرم وأحجاره لما روي عن ابن عباس وابن عمر Bهما أنهما كانا يكرهان أن يخرج من تراب الحرم إلى الحل أو يدخل من تراب الحل إلى الحرم وروى عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر قال : قدمت مع أمي أو مع جدتي مكة فأتينا صفية بنت شيبة فأرسلت إلى الصفا فقطعت حجرا من جنابه فخرجنا به فنزلنا أول منزل فذكر من علتهم جميعا فقالت أمي أو جدتي : ما أرانا أتينا إلا أنا أخرجنا هذه القطعة من الحرم قال : وكنت أنا أمثلهم فقالت لي : انطلق بهذه القطعة إلى صفية فردها وقل لها : إن الله D وضع في حرمه شيئا لا ينبغي أن يخرج منه قال عبد الأعلى : فما هو إلا ان نحينا ذلك فكأنما أنشطنا من عقال ويجوز إخراج ماء زمزم لما روي أن رسول الله A استهدى راوية من ماء زمزم فبعث إليه براوية من ماء ولأن الماء يستخلف بخلاف التراب والأحجار .
فصل : ويحرم صيد المدينة وقطع شجرها لما روى أبو هريرة أن النبي A قال : [ حرم إبراهيم مكة وإني حرمت المدينة مثل ما حرم إبراهيم مكة لا ينفر صيدها ولا يعضد شجرها ولا يختلى خلاها ولا تحل لقطتها إلا لمنشد ] فإن قتل فيها صيدا ففيه قولان : قال في القديم يسلب القاتل لما روي أن سعد بن أبي وقاص Bه أخذ سلب رجل قتل صيدا في المدينة وقال : سمعت رسول الله A يقول : [ من وجدتموه يقتل صيدا في حرم المدينة فأسلبوه ] وقال في الجديد : لا يسلب لأنه وضع يجوز دخوله بغير إحرام فلا يضمن كصيدوج فإن قلنا يسلب دفع سلبه إلى مساكين المدينة كما يدفع جزاء صيد مكة إلى مساكين مكة وقال شيخنا القاضي أبو الطيب : يكون سلبه لمن أخذه لأن سعد بن أبي وقاص أخذ سلب القاتل وقال طعمة أطعمنيها رسول الله A .
فصل : ويحرم قتل صيدوج وهو واد بالطائف لما روي أن النبي A نهى عن قتل صيدوج فإن قتل صيدا لم يضمنه بالجزاء ولم يسلب القاتل لأن الجزاء وجب بالشرع والشرع لم يرد إلا في الإحرام والحرم وصيدوج لا يبلغ الحرم في الحرمة فلم يلحق به في الجزاء .
فصل : وإذا وجب على المحرم دم لأجل الإحرام كدم التمتع والقران ودم الطيب وجزاء الصيد وجب عليه صرفه إلى مساكين الحرم لقوله تعالى { هديا بالغ الكعبة } [ المائدة : 95 ] فإن ذبحه في الحل وأدخله إلى الحرم نظرت فإن تغير وأنتن لم يجز لأن المستحق لحم كامل غير متغير فلم يجزه المنتن المتغير وإن لم يتغير ففيه وجهان : أحدهما لا يجزئه لأن الذبح أحد مقصودي الهدي فاختص بالحرم كالتفرقة والثاني يجزئه لأن المقصود هو اللحم وقد أوصل ذلك إليهم وإن وجب عليه طعام وجب عليه صرفه إلى مساكين الحرم قياسا على الهدي وإن وجب عليه صوم جاز أن يصوم في كل مكان لأنه لا منفعة لأهل الحرم في صيامه فإن وجب عليه هدي وأحصر عن المحرم جاز أن يذبح ويفرق حيث أحصر لما روى ابن عمر Bهما أن رسول الله A خرج معتمرا فحالت كفار قرش بينه وبين البيت فنحر هديه وحلق رأسه بالحديبية وبين الحديبية وبين الحرم ثلاثة أميال ولأنه إذا جاز أن يتحلل في غير موضع التحلل لأجل الإحصار جاز أن ينحر الهدي في غير موضع النحر والله أعلم