وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

باب الإحرام وما يحرم فيه .
إذا أراد أن يحرم فالمستحب أن يغتسل لما روى زيد بن ثابت Bه أن رسول الله A اغتسل لإحرامه وإن كانت امرأة حائضا أو نفساء اغتسلت للإحرام لما روى القاسم بن محمد أن أسماء بنت عميس ولدت محمد بن أبي بكر Bهما بالبيداء فذكر ذلك أبو بكر Bه لرسول الله A فقال : [ مروها فلتغتسل ثم لتهل ] ولأنه غسل يراد للنسك فاستوى فيه الحائض والطاهر ومن لم يجد الماء تيمم لأنه غسل مشروع فانتقل منه إلى التيمم عند عدم الماء كغسل الجنابة قال في الأم : ويغتسل لسبعة مواطن : للإحرام ولدخول مكة والوقوف بعرفة والوقوف بمزدلفة ولرمي الجمار الثلاث لأن هذه المواطن تجتمع لها الناس فاستحب لها الاغتسال ولا يغتسل لرمي جمرة العقبة لأن وقته من نصف الليل إلى آخر النهار فلا يجتمع لها الناس في وقت واحد وأضاف إليها في القديم الغسل لطواف الزيارة وطواف الوداع لأن الناس يجتمعون لهما ولم يستحبه في الجديد لأن وقتهما متسع فلا يتفق اجتماع الناس فيهما .
فصل : ثم يتجرد عن المخيط في إزار ورداء أبيضين ونعلين لما روى بن عمر Bهما أن النبي A قال : ليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين والمستحب أن يكون ذلك بياضا لما روى ابن عباس Bه أن رسول الله A قال : [ البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خيار من خيار ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم ] والمستحب أن يتطيب في بدنه لما روت عائشة Bها قالت : كنت أطيب رسول الله A لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت ولا يطيب ثوبه لأنه ربما نزعه للغسل فيطرحه على بدنه فتجب به الفدية والمستحب أن يصلي ركعتين لما روى ابن عباس وجابر Bهم أن النبي A صلى في ذي الحليفة ركعتين ثم أحرم وفي الأفضل قولان : قال في القديم : الأفضل أن يحرم عقيب الركعتين لما روي عن ابن عباس Bهما أن رسول الله A أهل في دبر الصلاة وقال في الأم : الأفضل أن يحرم إذا انبعث به راحلته إن كان راكبا وإذا ابتدأ بالسير إن كان راجلا لما روى جابر أن رسول الله A قال : [ إذا رحتم إلى منى متوجهين فأهلوا بالحج ] ولأنه إذا لبى مع السير وافق قوله فعله وإذا لبى في مصلاه لم يوافق فعله فكان ما قلناه أولى وينوي الإحرام ولا يصح الإحرام إلا بالنية لقوله A : [ إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى ] ولأنه عبادة محضة فلم تصح من غير نية كالصوم ويلبي لنقل الخلف عن السلف فإن اقتصر على النية ولم يلب أجزأه وقال أبو إسحاق و أبو عبد الله الزبيري : لا ينعقد إلا بالنية والتلبية كما لا تنعقد الصلاة إلا بالنية والتكبيرة والمذهب الأول لأنها عبادة لا يجب النطق في آخرها فلم يجب النطق في أولها كالصوم وله أن يعين ما يحرم به من الحج والعمرة لأن النبي A أهل بالحج فإن لبى بنسك ونوى غيره انعقد ما نواه لأن النية في القلب وله أن يحرم إحراما مبهما لما روى أبو موسى قال : قدمت على رسول الله A فقال : كيف أهللت قال : قلت لبيك بإهلال كإهلال النبي A فقال : أحسنت وفي الأفضل قولان : قال في الأم : التعيين أفضل لأنه إذا عين عرف ما دخل فيه والثاني أن الإبهام أفضل لأنه أحوط فإنه ربما عرض مرض أو إحضار فيصرفه إلى ما هو أسهل عليه فإن عين انعقد بما عينه والأفضل أن يذكر ما أحرم به في تلبيته على المنصوص لما روى نافع قال : سئل ابن عمر أيسمى أحدنا حجا أو عمرة فقال : أتنبئون الله بما في قلوبكم إنما هي نية أحدكم ومن أصحابنا من قال الأفضل أن ينطق به لما روى أنس Bه قال : سمعت رسول الله A يقول : لبيك بحجة وعمرة ولأنه إذا نطق به كان أبعد من السهو فإن أبهم الإحرام جاز أن يصرفه إلى ما شاء من حج أو عمرة لأنه يصلح لهما فصرف إلى ما شاء منهما فإن قال إهلالا كإهلال فلان إنعقد إحرامه بما عقد به فلان إحرامه فإن مات الرجل الذي علق إهلاله بإهلاله أو جن ولم يعلم ما أهل به لزمه أن يقرن ليسقط ما لزمه بيقين فإن بان أن فلانا لم يحرم انعقد إحراما مطلقا فيصرفه إلى ما شاء من حج أو عمرة لأنه عقد الإحرام وإن علق عين النسك على إحرام فلان فإذا سقط إحرام فلان بقي إحرامه مطلقا فيصرفه إلى ما شاء من حج أو عمرة وإن أحرم بحجتين أو بعمرتين لم ينعقد الإحرام بهما لأنه لا يمكن المضي فيهما وينعقد بإحداهما لأنه يمكن المضي في إحداهما قال في الأم إذا استأجره رجلان للحج فأحرم بهما انعقد إحرامه عن نفسه لأنه لا يمكن الجمع بينهما ولا تقديم أحدهما على الآخر فتعارضا وسقطا وبقي إحرام مطلق فانعقد له قال : ولو استأجره رجل ليحج عنه فأحرم عنه وعن نفسه انعقد الإحرام عن نفسه لأنه تعارض التعيينان فسقطا وبقي مطلق الإحرام فانعقد له وإن أحرم بنسك معين ثم نسيه قبل أن يأتي بنسك ففيه قولان : قال في الأم : يلزمه أن يقرن لأنه شك لحقه بعد الدخول في العبادة فيبني فيه على اليقين كما لو شك في عدد ركعات الصلاة وقال في القديم : يتحرى لأنه يمكنه أن يدرك بالتحري فيتحرى فيه كالقبلة فإن قلنا يقرن لزمه أن ينوي القران فإذا قرن أجزأه ذلك عن الحج وهل يجزئه عن العمرة ؟ إذ قلنا يجوز إدخال العمرة على الحج أجزأه عن العمرة أيضا وإن قلنا لا يجوز ففيه وجهان : أحدهما لا يجزئه لأنه يجوز أن يكون أحرم بالحج وأدخل عليه العمرة فلم يصح وإذا شك لم يسقط الفرض والثاني أنه يجزئه لأن العمرة إنما لا يجوز إدخالها على الحج من غير حاجة وهاهنا به حاجة إلى إدخال العمرة على الحج والمذهب الأول وإن قلنا إنه يجزئه عن العمرة لزمه الدم لأنه قارن وإن قلنا لا يجزئه عن العمرة هل يلزمه دم ففيه وجهان : أحدهما لا دم عليه وهو المذهب لأنا لم نحكم له بالقران فلا يلزمه دم والثاني يلزمه دم لجواز أنه يكون قارنا فوجب عليه الدم احتياطا وإن نسي بعد الوقوف وقبل طواف القدوم فإن نوى القران وعاد قبل طواف القدوم أجزأه الحج لأنه إن كان حاجا أو قارنا فقد إنعقد إحرامه بالحج وإن كان معتمرا فقد أدخل الحج على العمرة قبل طواف العمرة فصح حجه ولا يجزئه عن العمرة لأن إدخال العمرة على الحج لا يصح في أحد القولين ويصح في الآخر ما لم يقف بعرفة فإذا وقف بعرفة لم يصح فلم يجزه وإن نسي بعد طواف القدوم وقبل الوقوف فإن قلنا إن إدخال العمرة على الحج لا يجوز لم يصح له الحج ولا العمرة لأنه يحتمل أنه كان معتمرا فلا يصح إدخال الحج على العمرة بعد الطواف فلم يسقط فرض الحج مع الشك ولا تصح العمرة لأنه يحتمل أن لا يكون أحرم بها أو أحرم بها على حج فلا يصح وإن قلنا إنه يجوز إدخال العمرة على الحج لم يصح له الحج لجواز أن يكون أحرم بالعمرة وطاف لها فلا يجوز أن يدخل الحج عليها وتصح له العمرة لأنه أدخلها على الحج قبل الوقوف فإن أراد أن يجزئه الحج طاف وسعى لعمرته ويحلق ثم يحرم بالحج ويجزئه لأنه إن كان معتمرا فقد حل من العمرة وأحرم بالحج وإن كان حاجا أو قارنا فلا يضره تجديد الإحرام بالحج ويجب عليه دم واحد لأنه إن كان معتمرا فقد حلق في وقته وصار متمتعا فعليه دم التمتع دون الدم الحلاق وإن كان حاجا فقد حلق في غير وقته فعليه دم الحلاق دون دم التمتع وإن كان قارنا فعليه دم الحلاق ودم القران فلا يجب عليه دمان بالشك ومن أصحابنا من قال : يجب عليه دمان احتياطا وليس بشيء .
فصل : ويستحب أن يكثر من التلبية ويلبي عند اجتماع الرفاق وفي كل صعود وهبوط وفي أدبار الصلوات وإقبال الليل والنهار لما روى جابر قال : كان رسول الله A يلبي إذا رأى ركبا أو صعد وهبط واديا وفي أدبار المكتوبة وآخر الليل ولأن في هذه المواضع ترفع الأصوات ويكثر الضجيج وقد قال النبي A : [ أفضل الحج العج والثج ] ويستحب في مسجد مكة ومنى وعرفات وفيما عداها من المساجد قولان : قال في القديم لا يلبي وقال في الجديد يلبي لأنه مسجد بني للصلاة فاستحب فيه التلبية كالمساجد الثلاثة وفي حال الطواف قولان : قال في القديم يلبي ويخفض صوته وقال في الأم لا يلبي لأن للطواف ذكرا يختص به فكان الاشتغال به أولى ويستحب أن يرفع صوته بالتلبية لما روى زيد بن خالد الجهني أن رسول الله قال : جاءني جبريل عليه السلام فقال : يا محمد مر أصحابك أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية فإنها من شعار الحاج وإن كانت امرأة لم ترفع الصوت بالتلبية لأنه يخاف عليها الافتتان .
فصل : والتلبية أن يقول لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لما روى ابن عمر Bهما أن تلبية رسول الله A : لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك قال الشافعي C : فإن زاد على هذا فلا بأس لما روي أن ابن عمر Bهما كان يزيد فيها لبيك وسعديك والخير كله بيديك والرغبة إليك وإذا رأى شيئا يعجبه قال لبيك إن العيش عيش الآخرة لما روي أن النبي A كان ذات يوم والناس يصرفون عنه كأنهم أعجبه ما هم فيه فقال : لبيك إن العيش عيش الآخرة والمستحب إذا فرغ من التلبية أن يصلي على النبي A لأنه موضع شرع فيه ذكر الله تعالى فشرع فيه ذكر الرسول A كالأذان ثم يسأل الله تعالى رضوانه والجنة ويستعيذ برحمته من النار لما روى خزيمة بن ثابت Bه قال : كان الرسول A إذا فرغ من تلبيته في حج أو عمرة سأل رضوانه والجنة واستعاذ برحمته من النار ثم يدعو بما أحب .
فصل : وإذا أحرم الرجل حرم عليه حرم الرأس لقوله تعالى : { ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله } [ البقرة 196 ] ويحرم عليه حلق شعر سائر البدن لأنه حلق يتنظف به ويترفه به فلم يجز كحلق الرأس ويجب به الفدية لقوله تعالى : { فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } [ البقرة : 196 ] ولما روى كعب بن عجرة أن رسول الله A قال : [ لعلك آذاك هوام رأسك فقلت : نعم يا رسول الله فقال : أحلق رأسك وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين أو انسك شاة ] ويجوز له أن يحلق شعر الحلال لأن نفعه يعود إلى الحلال فلم يمنع منه كما لو أراد أن يعممه أو يطيبه .
فصل : ويحرم عليه أن يقلم أظفاره لأنه جزء ينمى وفي قطعة ترفيه وتنظيف فمنع الإحرام منه كحلق الشعر ويجب به الفدية قياسا على الحلق .
فصل : ويحرم عليه أن يستر رأسه لما روى ابن عباس Bهما أن النبي A قال في المحرم الذي خر من بعيره [ لا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا ] وتجب به الفدية لأنه فعل محرم في الإحرام فتعلقت به الفدية كالحلق ويجوز أن يحمل على رأسه مكتلا لأنه لا يقصد به الستر فلم يمنع منه كما لا يمنع المحدث من حمل المصحف في عيبة المتاع حين لم يقصد المصحف ويجوز أن يترك يده على رأسه لأنه يحتاج إلى وضع اليد على الرأس في المسح فعفى عنه ويحرم عليه لبس القميص لما روى ابن عمر Bهما أن النبي A قال في المحرم : [ لا يلبس القميص ولا السراويل ولا البرنس ولا العمامة ولا الخف إلا أن لا يجد نعلين فيقطعهما أسفل من الكعبين ولا يلبس من الثياب ما مسه ورس أو زعفران ] وتجب به الفدية لأنه فعل محظور في الإحرام فتعلقت به الفدية كالحلق ولا فرق بين أن يكون ما يلبسه من الخرق أو الجلود أو اللبود أو الورق ولا فرق بين أن يكون مخيطا بالإبرة أو ملصقا بعضه إلى بعض لأنه في معنى المخيط والعباءة والدراعة كالقميص فيما ذكرناه لأنه في معنى القميص ويحرم عليه لبس السراويل لحديث ابن عمر Bه وتجب به الفدية لما ذكرناه من المعنى والتبان والران كالسراويل فيما ذكرناه لأنه في معنى السراويل وإن شق الإزار وجعل له ذيلين وشدهما على ساقيه لم يجز لأنهما كالسراويل وما على الساقين كالبابكين ويجوز أن يعقد عليه إزاره لأن فيه مصلحة له وهو أن يثبت عيه ولا يعقد الرداء عليه لأنه لا حاجة به إليه وله أن يغرز طرفيه في إزاره وإن جعل لإزاره حجزة وأدخل فيها التكة واتزر به جاز وإن اتزر وشد فوقه تكة جاز قال في الإملاء وإن زره أو خاطه أو شوكه لم يجز لأنه يصير كالمخيط وإن لم يجد إزارا جاز أن يلبس السراويل ولا فدية عليه لما روى ابن عباس Bهما أن رسول الله A قال : [ من لم يجد إزارا فليلبس السراويل ومن لم يجد نعلين فليلبس الخفين ] فإن لم يجد رداء لم يلبس القميص لأنه يمكنه أن يرتدي به ولا يمكنه أن يتزر بالسراويل فإن لبس السراويل ثم وجد الإزار لزمه خلعه ويحرم عليه لبس الخفين للخبر وتجب الفدية لما ذكرناه من القياس على الحلق فإن لم يجد نعلين لبس الخفين بعد أن يقطعهما من أسفل الكعبين للخبر فإن لبس الخف مقطوعا من أسفل الكعب مع وجود النعل لم يجز على المنصوص وتجب عليه الفدية ومن أصحابنا من قال يجوز ولا فدية عليه لأنه قد صار كالنعل بدليل أنه لا يجوز المسح عليه وهذا خلاف المنصوص وخلاف السنة وما ذكره من المسح لا يصح لأنه وإن لم يجز المسح إلا أنه يترفه به في دفع الحر والبرد والأذى ولأنه يبطل بالخف المخرق فإنه لا يجوز المسح عليه ثم يمنع من لبسه ويحرم عليه لبس القفازين وتجب به الفدية لأنه ملبوس على قدر العضو فأشبه الخف ولا يحرم عليه ستر الوجه لقوله A في الذي خر من بعيره : [ ولا تخمروا رأسه ] فخص الرأس بالنهي ويحرم على المرأة ستر الوجه لما روى ابن عمر Bهما أن النبي A نهى النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب وما مسه الورس والزعفران من الثياب وليلبس بعد ذلك ما اختير من ألوان الثياب من معصفر أو خز أو حلى أو سراويل أو قميص أو خف وتجب به الفدية قياسا على الحلق ويجوز أن تستر من وجهها ما لا يمكن ستر الرأس إلا بستره لأنه لا يمكن ستر الرأس إلا بستره فعفى عن ستره فإن أرادت ستر وجهها عن الناس سدلت على وجهها شيئا لا يباشر الوجه لما روت عائشة Bها قالت : كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله A محرمات فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا وكشفنا ولأن الوجه من المرأة كالرأس من الرجل ثم يجوز للرجل ستر الرأس من الشمس بما لا يقع عليه فكذلك المرأة في الوجه ولا يحرم عليها لبس القميص والسراويل والخف لحديث ابن عمر Bهما ولأن جميع بدنها عورة إلا الوجه والكفين فجاز لها ستره لما ذكرناه وهل يجوز لها لبس القفازين فيه قولان : أحدهما أنه يجوز لأنه عضو يجوز لها ستره بغير المخيط فجاز لها ستره بالمخيط كالرجل والثاني لا يجوز للخبر ولأنه عضو ليس بعورة فتعلق به حرمة الإحرام في اللبس كالوجه .
فصل : ويحرم عليه استعمال الطيب في ثيابه وبدنه لحديث ابن عمر Bهما أن النبي A قال : [ ولا تلبس من الثياب ما مسه ورس أو زعفران ] وتجب به الفدية قياسا على الحلق ولا يلبس ثوبا مبخرا بالطيب ولا ثوبا مصبوغا بالطيب ويجب به الفدية قياسا على ما مسه الورس والزعفران وإن علق بخفه طيب وجبت به الفدية لأنه ملبوس فهو كالثوب ويحرم عليه استعمال الطيب في بدنه ولا يجوز أن يأكله ولا أن يكتحل به ولا يستعط به ولا يحتقن به فإن استعمله في شيء من ذلك لزمته الفدية لأنه إذا وجب ذلك فيما يستعمله بالثياب فلأن يجب فيما يستعمله ببدنه أولى وإن كان الطيب في طعام نظرت فإن ظهر ذلك في طعمه أو رائحته لم يجزأ كله وتجب به الفدية وإن ظهر ذلك في لونه وصبغ به اللسان من غير طعم ولا رائحة فقد قال في المختصر الأوسط من الحج لا يجوز وقال في الأم و الإملاء يجوز قال أبو إسحاق : يجوز قولا واحدا وتأول قوله في الأوسط على ما إذا كانت له رائحة ومنهم من قال فيه قولان : أحدهما لا يجوز لأن اللون إحدى صفات الطيب فمنع من استعماله كالطعم والرائحة والثاني يجوز وهو الصحيح لأن الطيب بالطعم والرائحة .
فصل : والطيب كل ما يتطيب به ويتخذ منه الطيب كالمسك والكافور والعنبر والصندل والورد والياسمين والورس والزعفران وفي الريحان الفارسي والمرزنجوش واللينوفر والنرجس قولان : أحدهما أنه يجوز شمها لما روي عن عثمان Bه أنه سئل عن المحرم يدخل البستان قال : نعم ويشم الريحان ولأن هذه الأشياء لها رائحة إذا كانت رطبة فإذا جفت لم يكن لها رائحة والثاني لا يجوز لأنه يراد للرائحة فهو كالورد والزعفران وأما البنفسج فقد قال الشافعي C : ليس بطيب فمن أصحابنا من قال هو طيب قولا واحد لأنه يشم رائحته ويتخذ منه الدهن فهو كالورد وتأول قول الشافعي على المربب بالسكر ومنهم من قال ليس بطيب قولا واحدا لأنه يراد للتداوي ولا يتخذ من يابسه طيب ومنهم من قال هو كالنرجس والريحان وفيه قولان : لأنه يشم رطبه ولا يتخذ من يابسه طيب وأما الأترج فإنه ليس بطيب لأنه يراد للأكل فهو كالتفاح والسفرجل وأما العصفر فليس بطيب لقوله A : [ وليلبسن ما أحببن من المعصفر ] ولأنه يراد للون فهو كالنيل والحناء ليس بطيب لما روي أن أزواج النبي A كن يختضبن بالحناء وهن محرمات ولأنه يراد للون فهو كالعصفر ولا يجوز أن يستعمل الأدهان المطيبة كدهن الورد والزنبق وهدن البان المنشوش وتجب به الفدية لأنه يراد للرائحة وأما غير المطيب كالزيت والشيرج والبان غير المنشوش فإنه يجوز استعماله في غير الرأس واللحية لأنه ليس فيه طيب ولا تزيين ويحرم استعماله في شعر الرأس واللحية لأنه يرجل الشعر ويربيه وتجب به الفدية فإن استعمله في رأسه وهو أصلع جاز له لأنه ليس فيه تزيين وإن استعمله في رأسه وهو محلوق لم يجز لأنه يحسن الشعر إذا نبت ويجوز أن يجلس عند العطار وفي موضع يبخر لأن في المنع من ذلك مشقة ولأن ذلك ليس بطيب مقصود والمستحب أن يتوقى ذلك إلا أن يكون في موضع قربة كالجلوس عند الكعبة وهي تجمر فلا يكره ذلك لأن الجلوس عندها قربة فلا يستحب تركها لأمر مباح وله أن يحمل الطيب في خرقة أو قارورة والمسك في نافجة ولا فدية عليه لأن دونه حائلا وإن مس طيبا فعبقت به رائحته ففيه قولان : أحدهما لا فدية عليه لأنه رائحة عن مجاوره فلم يكن لها حكم كالماء إذا تغيرت بجيفة بقربه والثاني يجب لأن المقصود من الطيب هو الرائحة وقد حصل ذلك وإن كان عليه طيب فأراد غسله فالمستحب أن يولي غيره غسله حتى لا يباشره بيده فإن غسله بنفسه جاز لأن غسله ترك له فلا يتعلق به تحريم كما لو دخل دار غيره بغير إذنه فأراد أن يخرج فإن حصل عليه طيب ولا يقدر على إزالته بغير الماء وهو محدث ومعه من الماء ما لا يكفي الطيب والوضوء غسل به الطيب لأن الوضوء له بدل وغسل الطيب لا بدل له وإن كان عليه نجاسة استعمل الماء في إزالة النجاسة لأن النجاسة تمنع صحة الصلاة والطيب لا يمنع صحة الحج .
فصل : ويحرم عليه أن يتزوج وأن يزوج غيره بالوكالة والولاية الخاصة فإن تزوج أو زوج فالنكاح باطل لما روى عثمان Bه أن النبي A قال : [ لا ينكح المحرم ولا يخطب ولا ينكح ] ولأنه عبادة تحرم الطيب فحرمت النكاح كالعدة وهل يجوز للإمام أو الحاكم أن يزوج بولاية الحكم ؟ فيه وجهان : أحدهما لا يجوز كما لا يجوز أن يزوج بالولاية الخاصة والثاني يجوز لأن الولاية العامة آكد والدليل عليه أنه يملك بالولاية العامة أن يزوج المسلمة والكافرة ولا يملك ذلك بالولاية الخاصة ويجوز أن يشهد في النكاح وقال أبو سعيد الأصطخري لا يجوز لأنه ركن في العقد فلم يجز أن يكون محرما كالولي والمذهب أنه يجوز لأن العقد هو الإيجاب والقبول والشاهد لا صنع له في ذلك ويكره له الخطبة لأن النكاح لا يجوز فكرهت الخطبة له ويجوز أن يراجع الزوجة في الإحرام لأن الرجعة كاستدامة النكاح بدليل أنه يصح من غير ولي ولا شهود ويصح من العبد بغير إذن المولى فلم يمنع الإحرام منه كالبقاء على العقد .
فصل : ويحرم عليه الوطء في الفرج لقوله تعالى : { فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج } [ البقرة : 197 ] قال ابن عباس : الرفث الجماع وتجب به الكفارة لما روي عن علي وابن عباس وابن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص Bهم أنهم أوجبوا فيه الكفارة ولأنه إذا وجبت الكفارة في الحلق فلأن تجب في الجماع أولى .
فصل : ويحرم عليه المباشرة فيما دون الفرج لأنه إذا حرم عليه النكاح فلأن تحرم المباشرة وهي أدعى للوطء أولى وتجب فيه الكفارة لما روي عن علي كرم الله وجهه أنه قال : من قبل امرأة وهو محرم فليهرق دما ولأنه فعل محرم في الإحرام فوجبت به الكفارة كالجماع .
فصل : ويحرم عليه الصيد المأكول من الوحش والطير ولا يجوز له أخذه لقوله تعالى { وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } [ المائدة : 96 ] فإن أخذه لم يملكه بالأخذ لأن ما منع أخذه لحق الغير لم يملكه بالأخذ من غير إذنه كما لو غضب مال غيره وإن كان الصيد لآدمي وجب رده إلى مالكه وإن كان من المباح وجب إرساله في موضع يمتنع على من يأخذه لأن ما حرم أخذه لحق الغير إذا أخذه وجب رده إلى مالكه كالمغصوب فإن هلك عنده وجب عليه الجزاء لأنه مال حرام أخذه لحق الغير فضمنه بالبدل كمال الآدمي فإن خلص صيدا من فم سبع فداواه فمات في يده لم يضمنه لأنه قصد الصلاح قال الشافعي C : ولو قيل يضمن لأنه تلف في يده كان محتملا ويحرم عليه قتله فإن قتله عمدا وجب عليه الجزاء لقوله تعالى : { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم } [ المائدة : 95 ] فإن قتله خطأ وجب عليه الجزاء لأن ما ضمن عمده بالمال ضمن خطؤه كمال الآدمي ولأنه كفارة تجب بالقتل فاستوى فيها الخطأ والعمد ككفارة القتل فإن كان الصيد مملوكا لآدمي وجب عليه الجزاء والقيمة وقال المزني : لا يجب الجزاء في الصيد المملوك لأنه يؤدي إلى إيجاب بدلين عن متلف واحد والدليل على أنه يجب أنه كفارة تجب بالقتل فوجبت بقتل المملوك ككفارة القتل ويحرم عليه جرحه لأن ما منع من إتلافه لحق الغير منع من إتلاف أجزائه كالآدمي وإن أتلف جزءا منه ضمنه بالجزاء لأن ما ضمن جميعه بالبدل ضمن أجزاؤه كالآدمي ويحرم عليه تنفير الصيد لقوله A في مكة : [ لا ينفر صيدها ] وإذا حرم ذلك في صيد الحرم وجب أن يحرم في الإحرام فإن نفره فوقع في بئر فهلك أو نهشته حية أو أكله سبع وجب عليه الضمان لما روي أن عمر Bه دخل دار الندوة فعلق رداءه فوقع عليه طير فخاف أن ينجسه فطيره فنهشته حية فقال طير طردته حتى نهشته الحية فسأل من كان معه أن يحكموا عليه فحكموا عليه بشاة ولأنه هلك بسبب من جهته فأشبه إذا حفر له بئرا ونصب له أحبولة فهلك بها ويحرم عليه أن يعين على قتله بدلالة أو إعارة آلة لأن ما حرم قتله حرمت الإعانة على قتله كالآدمي وإن أعان على قتله بدلالة أو إعارة آلة فقتل لم يلزمه الجزاء لأن ما لا يلزمه حفظه لا يضمنه بالدلالة على إتلافه كمال الغير ويحرم عليه أكل ما صيد له لما روى جابر أن النبي A قال : [ الصيد حلال لكم ما لم تصيدوا أو يصد لكم ] ويحرم عليه أكل ما أعان على قتله بدلالة أو إعارة آلة لما روى عبد الله بن أبي قتادة قال : كان أبو قتادة في قوم محرمين وهو حلال فأبصر حمار وحش فاختلس من بعضهم سوطا فضربه حتى صرعه ثم ذبحه وأكل هو وأصحابه فسألوا رسول الله A فقال : [ هل أشار إليه أحد منكم ] ؟ قالوا : لا قال : فلم ير بأكله بأسا فإن أكل ما صيد له أو عان على قتله فهل يجب عليه الجزاء ؟ فيه قولان : أحدها يجب لأنه فعل محرم يحكم الإحرام فوجبت فيه الكفارة كقتل الصيد والثاني لا يجب لأنه ليس بنام ولا بآيل إلى النماء فلا يضمن بالجزاء كالشجر اليابس والبيض المذر فإن ذبح صيدا حرم عليه أكله لأنه إذا حرم عليه ما صيد له أو دل عليه فلأن يحرم ما ذبحه أولى وهل يحرم على غيره ؟ فيه قولان : قال في الجديد يحرم لأن ما حرم على الذابح أكله حرم على غيره كذبيحة المجوسي وقال في القديم لا يحرم لأن من حل بذكاته غير الصيد حل بذكاته الصيد كالحلال فإن أكل ما ذبحه لم يضمن بالأكل لأن ما ضمنه بالقتل لم يضمنه بالأكل كشاة الغير ويحرم عليه أن يشتري الصيد أو يهبه لما روى ابن عباس Bه أن الصعب بن جثامة أهدى إلى النبي A حمار وحش فرده عليه فلما رأى ما في وجهه قال : [ إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم ] ولأنه سبب يتملك به الصيد فلم يتملك به مع الإحرام كالاصطياد فإن مات من يرثه وله صيد ففيه وجهان : أحدهما لا يرثه لأنه سبب للملك فلا يملك به الصيد كالبيع والهبة والثاني أنه يرثه لأنه يدخل في ملكه بغير قصده ويملك به الصبي والمجنون فجاز أن يملك به المحرم الصيد وإن كان في ملكه صيد فأحرم ففيه قولان : أحدهما لا يزول ملكه عنه لأنه ملك فلا يزول بالاحرام كملك البضع والثاني يزول عنه لأنه معنى لا يراد للبقاء يحرم على المحرم ابتداؤه فحرمت استدامته كلبس المخيط فإن قلنا إنه لا يزول ملكه جاز له بيعه وهبته ولا يجوز له قتله فإن قتله وجب عليه الجزاء لأن الجزاء كفارة تجب لله تعالى فجاز أن تجب على مالكه ككفارة القتل وإن قلنا يزول ملكه وجب عليه إرساله فإن لم يرسله حتى مات ضمنه بالجزاء وإن لم يرسله حتى تحلل ففيه وجهان : أحدهما يعود إلى ملكه ويسقط عنه فرض الإرسال لأن علة زوال الملك هو الإحرام وقد زال فعاد الملك كالعصير إذا صار خمرا ثم صار خلا والثاني أنه لا يعود إلى ملكه ويلزمه إرساله لأن يده متعدية فوجب أن يزيلها .
فصل : وإن كان الصيد غير مأكول نظرت فإن كان متولدا مما يؤكل ومما لا يؤكل كالسبع المتولد بين الذئب والضبع والحمار المتولد بين حمار الوحش وحمار الأهل فحكمه حكم ما يؤكل في تحريم صيده ووجوب الجزاء لأنه اجتمع فيه جهة التحليل والتحريم فغلب التحريم كما غلب جهة التحريم في أكله وإن كان حيوانا لا يؤكل ولا هو متولد مما يؤكل فالحلال والحرام فيه واحد لقوله تعالى : { وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } [ المائدة : 96 ] فحرم من الصيد ما يحرم بالإحرام وهذا لا يكون إلا فيما يؤكل وهل يكره قتله أو لا يكره ينظر فيه فإن كان مما يضر ولا ينفع كالذئب والأسد والحية والعقرب والفأرة والحدأة والغراب والكلب العقور والبق والبرغوث والقمل والجرجس والزنبور فالمستحب أن يقتله لأنه يدفع ضرره عن نفسه وعن غيره وإن كان مما ينتفع به ويستضر به كالفهد والبازي فلا يستحب قتله لما فيه من المنفعة ولا يكره لما فيه من المضرة وإن كان مما لا يضر ولا ينفع كالخنافس والجعلان وبنات وردان فإنه يكره قتله ولا يحرم .
فصل : وإن كان الصيد وما حرم على المحرم من الصيد حرم عليه بيضه وإذا كسره وجب عليه الجزاء وقال المزني : لا جزاء عليه لأنه لا روح فيه والدليل عليه ما روى أبو هريرة أن النبي A قال في بيض النعامة يصيبه المحرم ثمنه ولأنه خارج من الصيد يخلق منه مثله فضمن بالجزاء كالفرخ وإن كسر بيضا لم يحل له أكله وهل يحل لغيره ؟ فيه قولان كالصيد وقال شيخنا القاضي أبو الطيب : في تحريمه على غيره نظر لأنه لا روح فيه فلا يحتاج إلى ذكاة وإن كسر بيضا مذرا لم يضمنه من غير النعامة لأنه لا قيمة له ويضمنه من النعامة لأن لقشر بيض النعامة قيمة .
فصل : وإن احتاج المحرم إلى اللبس لحر شديد أو برد شديد أو احتاج إلى الطيب لمرض أو إلى حلق الرأس للأذى أو إلى شد رأسه بعصابة لجراحة عليه أو إلى ذبح الصيد للمجاعة لم يحرم عليه وتجب عليه الكفارة لقوله تعالى : { فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } [ البقرة : 196 ] ولحديث كعب بن عجرة فثبت الحلق بالنص وقسنا ما سواه عليه لأنه في معناه وإن نبت في عينه شعرة فقلعها أو نزل شعر الرأس إلى عينه فغطاها فقطع ما غطى العين أو انكسر شيء من ظفره فقطع ما انكسر منه أو صال عليه صيد فقتله دفعا عن نفسه جاز ولا كفارة عليه لأن الذي تعلق به المنع ألجأه إلى إتلافه ويخالف إذا آذاه القمل في رأسه فحلق الشعر لأن الأذى لم يكن من جهة الشعر الذي تعلق به المنع وإنما كان من غيره وإن افترش الجراد في طريقه فقتله ففيه قولان : أحدهما يجب عليه الجزاء لأنه قتله لمنفعة نفسه فأشبه إذا قتله للمجاعة والثاني لا يجب لأن الجراد ألجأه إلى قتله فأشبه إذا صال عليه الصيد فقتله للدفع وإن باض صيد على فراشه فنقله فلم يحضنه الصيد فقد حكى الشافعي C عن عطاء أنه لا يلزمه ضمانه لأنه مضطر إلى ذلك قال : ويحتمل عندي أن يضمن لأنه أتلفه باختياره فحصل فيه قولان كالجراد وإن كشط من بدنه جلدا وعليه شعر وقطع كفه وفيه أظافر لم تلزمه فدية لأنه تابع لمحله فسقط حكمه تبعا لمحله كالأطراف مع النفس في قتل الآدمي .
فصل : وإن لبس أو تطيب أو دهن رأسه أو لحيته جهلا بالتحريم أو ناسيا للإحرام لم تلزمه الفدية لما روى أبو يعلى بن أمية قال : أتى رسول الله A رجل بالجعرانة وعليه جبة وهو مصفر لحيته ورأسه فقال : يا رسول الله أحرمت بعمرة وأنا كما ترى فقال : اغسل عنك الصفرة وانزع عنك الجبة وما كنت صانعا في حجتك فاصنع في عمرتك ولم يأمره بالفدية فدل على أن الجاهل لا فدية عليه فإذا ثبت هذا في الجاهل ثبت في الناسي لأن الناسي يفعل وهو يجهل تحريمه عليه فإن ذكر ما فعله ناسيا أو علم ما فعله جاهلا نزع اللباس وأزال الطيب لحديث يعلى بن أمية فإن لم يقدر على إزالة الطيب لم تلزمه الفدية لأنه مضطر إلى تركه فلم تلزمه فدية كما لو أكره على التطيب وإن قدر على إزالته واستدام لزمته الفدية لأنه تطيب من غير عذر فأشبه إذا ابتدأ به وهو عالم بالتحريم وإن مس طيبا وهو يظن أنه يابس وكان رطبا ففيه قولان : أحدهما تلزمه الفدية لأنه قصد مس الطيب والثاني لا تلزمه لأنه جهل تحريمه فأشبه إذا جهل تحريم الطيب في الإحرام فإن حلق الشعر أو قلم الظفر ناسيا أو جاهلا بالتحريم فالمنصوص أنه تجب عليه الفدية لأنه إتلاف فاستوى في ضمانه العمد والسهو كإتلاف مال الآدمي وفيه قول آخر مخرج إنه لا تجب لأنه ترفه وزينة فاختلف في فديته السهو والعمد كالطيب وإن قتل صيدا ناسيا أو جاهلا بالتحريم وجب عليه الجزاء لأن ضمانه ضمان مال فاستوى فيه السهو والعمد والعلم والجهل كضمان مال الآدميين وإن أحرم ثم جن وقتل صيدا ففيه قولان : أحدهما يجب عليه الجزاء لما ذكرناه والثاني لا يجب لأن المنع من قتل الصيد تعبد والجنون ليس من أهل التعبد فلا يلزمه ضمان ومن أصحابنا من نقل هذين القولين إلى الناسي وليس بشيء وإن جامع ناسيا أو جاهلا بالتحريم ففيه قولان : قال في الجديد لا يفسد حجه ولا يلزمه شيء لأنها عبادة تجب بإفسادها الكفارة فاختلف في الوطء فيها العمد والسهو كالصوم وقال في القديم يفسد حجه وتلزمه الكفارة لأنه معنى يتعلق به قضاء الحج فاستوى فيه العمد والسهو كالفوات وإن حلق رجل رأسه فإن كان بإذنه وجبت عليه الفدية لأنه أزال شعره بسبب لا عذر له فيه فأشبه إذا حلقه بنفسه وإن حلقه وهو نائم أو مكره وجبت الفدية وعلى من تجب ؟ فيه قولان : أحدهما تجب على الحالق لأنه أمانة عنده فإذا أتلفه غيره وجب الضمان على من أتلفه كالوديعة إذا أتلفها غاصب والثاني تجب على المحلوق لأنه هو الذي ترفه بالحلق فكانت الفدية عليه فإذا قلنا تجب الفدية على الحالق فالمحلوق مطالبته بإخراجها لأنها تجب بسببه فإن مات الحالق أو أعسر بالفدية لم تجب على المحلوق الفدية وإن قلنا تجب على المحلوق أخذها من الحالق وأخرج وإن افتدى المحلوق نظرت فإن افتدى بالمال رجع بأقل الأمرين من الشاة أو ثلاثة آصع فإن أداها بالصوم لم يرجع عليه لأنه لا يمكن الرجوع به ومن أصحابنا من قال يرجع بثلاثة أمداد لأن صوم كل يوم مقدر بمد وإن حلق رأسه وهو ساكت ففيه طريقان : أحدهما أنه كالنائم والمكره لأن السكوت لا يجري مجرى الإذن والدليل عليه هو أنه لو أتلف رجل ماله وسكت لم يكن سكوته إذنا في إتلافه والثاني أنه بمنزلة ما لو أذن فيه لأنه يلزمه حفظه والمنع من حلقه فإذا لم يفعل جعل سكوته كالإذن فيه كالمودع إذا سكت عن إتلاف الوديعة .
فصل : ويكره للمحرم أن يحك شعره بأظافره حتى لا ينتثر شعره فإن انتثر منه شعره لزمته الفدية ويكره أن يفلي رأسه ولحيته فإن فلى وقتل قملة استحب له أن يفديها قال الشافعي C : وأي شيء فداها به فهو خير منها فإن ظهر القمل على بدنه وثيابه لم يكره أن ينحيه لأنه ألجأه إليه ويكره أن يكتحل بما لا طيب فيه لأنه زينة والحاج أشعث أغبر فإن احتاج إليه لم يكره لأنه إذا لم يكره ما يحرم من الحلق والطيب للحاجة فلأن لا يكره ما لا حرم أولى ويجوز أن يدخل الحمام ويغتسل بالماء لما روى أبو أيوب قال : كان رسول الله A يغتسل وهو محرم ويجوز أن يغسل شعره بالماء والسدر لما روى ابن عباس أن النبي A قال في المحرم الذي خر من بعيره : [ اغسلوا بماء وسدر ] ويجوز أن يحتجم ما لم يقطع شعرا لما روى ابن عباس Bهما أن رسول الله A احتجم وهو محرم ويجوز أن يفتصد أيضا كما يجوز أن يحتجم ويجوز أن يستظل سائرا ونازلا لما روى جابر أن النبي A أمر بقبة من شعر أن تضرب له بنمرة فإذا ثبت جواز ذلك بالحرم نازلا وجب أن يجوز سائرا قياسا عليه ويكره أن يلبس الثياب المصبغة لما روي أن عمر Bه رأى على طلحة Bه ثوبين مصبوغين وهو حرام فقال : أيها الرهط أنتم أئمة يقتدى بكم ولو أن جاهلا رأى عليك ثوبيك لقال قد كان طلحة يلبس الثياب المصبغة وهو محرم فلا يلبس أحدكم من هذه الثياب المصبغة في الإحرام شيئا ويكره أن يحمل بازا أو كلبا معلما لأنه ينفر به الصيد وربما انفلت فقتل صيدا وينبغي أن ينزه إحرامه عن الخصومة والشتم والكلام القبيح لقوله تعالى : { فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج } [ البقرة : 197 ] قال ابن عباس : الفسوق المنابزة بالألقاب وتقول لأخيك يا ظالم يا فاسق والجدال أن تماري صاحبك حتى تغضبه وروى أبو هريرة أن النبي A قال : [ من حج لله D فلم يرفث ولم يفسق رجع كهيئته يوم ولدته أمه ] وبالله التوفيق