وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

كتاب الصيام .
صوم شهر رمضان ركن من أركان الإسلام وفرض من فروضه والدليل عليه ما روى ابن عمر Bه أن النبي A قال : [ بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله A وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان ] .
فصل : ويتحتم وجوب ذلك على كل مسلم بالغ عاقل طاهر قادر مقيم فأما الكافر فإنه إن كان أصليا لم يخاطب به في حال كفره لأنه لا يصح منه وإن أسلم لم يجب عليه القضاء لقوله تعالى : { قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } [ الأنفال : 38 ] ولأن في إيجاب قضاء ما فات في حال الكفر تنفيرا عن الإسلام وإن كان مرتدا لم يخاطب به في حال الردة لا لأنه لا يصح منه وإن أسلم وجب عليه قضاء ما تركه في حال الكفر لأنه التزم ذلك فلم يسقط ذلك بالردة كحقوق الآدميين .
فصل : وأما الصبي فلا تجب عليه لقوله A : [ رفع القلم عن ثلاثة : عن الصبي حتى يبلغ وعن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق ] ويؤمر بفعله لسبع سنين إذا أطاق الصوم ويضرب على تركه لعشر قياسا عن الصلاة فإن بلغ لم يجب عليه قضاء ما تركه في حال الصغر لأنه لو وجب عليه ذلك لوجب عليه أداؤه في الصغر لأنه يقدر على فعله ولأن أيام الصغر تطول فلو أوجبنا عليه قضاء ما يفوت لشق .
ومن زال عقله بجنون لم يجب عليه الصوم لقوله صلى اله عليه وسلم [ وعن المجنون حتى يفيق ] فإن أفاق لم يجب عليه قضاء ما فاته في حال الجنون لأنه صوم فات في حال يسقط فيه التكليف لنقص فلم يجب قضاؤه كما لو فات في حال الصغر وإن زال عقله بالإغماء لم يجب عليه في الحال لأنه لا يصح منه فإن أفاق وجب عليه القضاء لقوله تعالى : { فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } [ البقرة 184 ] والإغماء مرض ويخالف الجنون فإن نقص ولهذا لا يجوز الجنون على الأنبياء ويجوز عليهم الإغماء فإن أسلم الكافر أو أفاق المجنون في أثناء يوم من رمضان استحب لما إمساك بقية النهار لحرمة الوقت ولا يلزمهم ذلك لأن المجنون أفطر لعذر والكافر وإن أفطر بغير عذر إلا أنه لما أسلم جعل كالمعذور فيما فعل في حال الكفر ولهذا لا يؤاخذ بقضاء ما تركه ولا بضمان بما أتلفه ولهذا قال الله D : { قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } [ الأنفال 83 ] ولا يأكل عند من لا يعرف عذره لأنه إذا تظاهر بالأكل عرض لنفسه للتهمة وعقوبة السلطان وهل يجب عليه قضاء ذلك اليوم أم لا ؟ فيه وجهان : أحدهما يجب لأنه أدرك جزءا من وقت الفرض ولا يمكن فعل ذلك الجزء من الصوم إلا بيوم فوجب أن يقضيه بيوم كامل كما نقول في المحرم إذا وجب عليه في كفارة نصف مد فإنه يجب بقسطه صوم نصف يوم ولكن لما لم يمكن فعل ذلك إلا بيوم وجب عليه صوم يوم والثاني لا يجب ـ وهو المنصوص في البويطي ـ لأنه لم يدرك من الوقت ما يمكن الصوم فيه لأن الليل يدركه قبل التمام فلم يلزمه كمن أدرك من أول وقت الصلاة قدر الركعة ثم جن فإن بلغ الصبي في أثناء يوم من رمضان نظرت فإن كان مفطرا فهو كالكافر إذا أسلم والمجنون إذا أفاق في جميع ما ذكرناه وإن كان صائما ففيه وجهان : أحدهما يستحب له إتمامه لأنه صوم نقل فاستجب إتمامه ويجب قضاؤه لأنه لم ينو به الفرض من أوله فوجب قضاؤه والثاني أنه يلزمه إتمامه ويستحب قضاؤه لأنه صار من أهل الوجوب في أثناء العبادة فلزمه إتمامها كما لو دخل في صوم التطوع ثم نذر إتمامه .
فصل : وأما الحاض والنفساء فلا يجب عليهما الصوم لأنه لا يصح منهما فإذا طهرتا وجب عليهما القضاء لما روت عائشة Bها أنها قالت في الحيض كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة فوجب القضاء على الحائض بالخبر وقسنا النفساء عليها لأنها في معناها فإن طهرت في أثناء النهار استحب لها أن تمسك بقية النهار ولا يجب لما ذكرنه في الصبي إذا بلغ والمجنون إذا أفاق .
فصل : ومن لا يقدر على الصوم بحال وهو الشيخ الكبير الذي يجهده الصوم والمريض الذي لا يرجى برؤه فإنه لا يجب عليهما الصوم لقوله D : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } [ الحج78 ] وفي الفدية قولان : أحدهما لا تجب لأنه أسقط عنهما فرض الصوم فلم تجب عليهما الفدية كالصبي والمجنون والثاني يجب عن كل يوم مد طعام وهو الصحيح لما روي عن ابن عباس Bهما : أنه قال : الشيخ الكبير يطعم عن كل يوم مسكينا وعن أبي هريرة أنه قال : من أدركه الكبر فلم يستطع صوم رمضان فعليه لكل يوم مد من قمح وقال ابن عمر Bهما : إذا ضعفت عن الصوم أطعم عن كل يوم مدا وروي أن أنسا ضعف عن الصوم عاما قبل وفاته فأفطر وأطعم وإن لم يقدر على الصوم لمرض يخاف زيادته ويرجو البرء لم يجب عليه الصوم للآية فإن برئ وجب عليه القضاء لقوله D : { فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } [ البقرة 184 ] وإن أصبح صائما وهو صحيح ثم مرض أفطر لأنه أبيح له الفطر للضرورة والضرورة موجودة فجاز له الفطر .
فصل : فأما المسافر إن كان سفره دون أربعة برد لم يجز له أن يفطر لأنه إسقاط فرض للسفر فلا يجوز فيما دون أربعة برد كالقصر وإن كان سفره في معصية لم يجز له أن يفطر لأن ذلك إعانة على المعصية وإن كان سفره أربع برد في غير معصية فله أن يصوم وله أن يفطر لما روت عائشة Bها أن حمزة بن عمرو والأسلمي قال يا رسول الله A أصوم في السفر فقال رسول الله A : [ إن شئت فصم وإن شئت فأفطر ] فإن كان ممن لا يجهده الصوم في السفر فالأفضل أن يصوم لما روي عن أنس Bه أنه قال للصائم في السفر إن أفطرت فرخصة وإن صمت فهو أفضل وعن عثمان بن أبي العاص أنه قال : الصوم أحب إلي ولأنه إذا أفطر عرض الصوم للنسيان وحوادث الزمان فكان الصوم أفضل وإن كان يجهده الصوم فالأفضل أن يفطر لما روى جابر Bه قال : مر رسول الله A برجل تحت شجرة يرش عليه الماء فقال : ما بال هذا قالوا : صائم يا رسول الله فقال : [ ليس من البر الصيام في السفر ] فإن صام المسافر ثم أراد أن يفطر فله أن يفطر لأن العذر قائم فجاز له أن يفطر كما لو صام المريض ثم أراد أن يفطر ويحتمل عندي أنه لا يجوز له أن يفطر في ذلك اليوم لأنه دخل في فرض المقيم فلا يجوز له أن يترخص برخص المسافر كما لو دخل في الصلاة بنية الإتمام ثم أراد أن يقصر ومن أصبح في الحضر صائما ثم سافر لم يجز له أن يفطر في ذلك اليوم وقال المزني : له أن يفطر كما لو أصبح الصبح صائما ثم مرض فله أن يفطر والمذهب الأول والدليل عليه أنه عبادة تختلف بالسفر والحضر فإذا بدأ بها في الحضر ثم سافر لم يثبت له رخصة السفر كما لو دخل في الصلاة في الحضر ثم سافر في أثنائها ويخالف المريض فإن ذلك مضطر إلى الإفطار والمسافر مختار وإن قدم المسافر وهو مفطر أو بريء المريض وهو مفطر استحب لهما إمساك بقية النهار لحرمة الوقت ولا يجب ذلك لأنهما أفطرا لعذر ولا يأكلان عند من لا يعرف عذرهما لخوف التهمة والعقوبة وإن قدم المسافر وهو صائم أو بريء المريض وهو صائم فهل لهما أن يفطرا ؟ فيه وجهان : قال أبو علي بن أبي هريرة : يجوز لهما الإفطار لأنه أبيح لهما الفطر من أول النهار ظاهرا وباطنا فجاز لهما الإفطار في بقية النهار كما لو دام السفر والمرض وقال أبو إسحاق : لا يجوز لهما الإفطار لأنه زال سبب الرخصة قبل الترخص فلم يجز الترخص كما لو قدم المسافر وهو في الصلاة فإنه لا يجوز له القصر .
فصل : وإن خافت الحامل أو المرضع على أنفسهما من الصوم أفطرتا وعليهما القضاء دون الكفارة لأنهما أفطرتا للخوف على أنفسهما فوجب عليهما القضاء دون الكفارة كالمريض وإن خافتا على ولديهما أفطرتا وعليهما القضاء بدلا عن الصوم وفي الكفارة ثلاثة أقوال : قال في الأم : يجب عن كل يوم مد من طعام وهو الصحيح لقوله D { وعلى الذين يطيقونه فدية } [ البقرة : 184 ] قال ابن عباس Bه : نسخت هذه الآية وبقيت الرخصة للشيخ الكبير والعجوز والحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما أفطرتا وأطعمتا مكان كل يوم مسكينا والثاني أن الكفارة مستحبة غير واجبة - وهو قول المزني - لأنه إفطار لعذر فلم تجب به الكفارة كإفطار المريض والثالث أنه يجب على المريض دون الحامل لأن الحامل أفطرت لمعنى فيها كالمريض والمرضع أفطرت لمنفصل عنها فوجبت عليها الكفارة .
فصل : ولا يجب صوم رمضان إلا برؤية الهلال فإن غم عليهم وجب عليهم استكمال شعبان ثلاثين يوما ثم يصومون لما روى ابن عباس Bه أن النبي A قال : [ صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة ولا تستقبلوا الشهر استقبالا ] فإن أصبحوا في يوم الثلاثين وهم يظنون أنه من شعبان فقامت البينة أنه من رمضان لزمهم قضاؤه لأنه بان أنه من رمضان وهل يلزمهم إمساك بقية النهار ؟ فيه قولان : أحدهما لا يلزمهم لأنهم أفطروا لعذر فلم يلزمهم إمساك بقية النهار كالحائض إذا طهرت والمسافر إذا قدم والثاني يلزمهم لأنه أبيح لهم الفطر بشرط أنه من شعبان وقد بان أنه من رمضان فلزمهم الإمساك فإن رأوا الهلال بالنهار فهو لليلة المستقبلة لما روى سفيان بن سلمة قال : أتانا كتاب عمر بن الخطاب Bه ونحن بخانقين أن الأهلة بعضهما أكبر من بعض فإذا رأيتم الهلال نهارا فلا تفطروا حتى يشهد رجلان مسلمان أنهما رأياه بالأمس وإن رأوا الهلال في بلد ولم يروه فب بلد آخر فإن كانا بلدين متقاربين وجب على أهل البلدين الصوم وإن كانا بلدين متباعدين وجب على من رأى ولا يجب على من لم ير لما روى كريب قال : قدمت الشام فرأيت الهلال ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة فقال عبد الله بن عباس : متى رأيتم الهلال ؟ فقلت : ليلة الجمعة فقال : أنت رأيت ؟ فقلت : نعم ورآه الناس وصاموا أو صام معاوية فقال : لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل العدة أو نراه قلت : أو لا تكتفي برؤية معاوية ؟ قال : هكذا أمرنا رسول الله A .
فصل : وفي الشهادة التي يثبت بها رؤية هلال شهر رمضان قولان : قال في البويطي : لا تقبل إلا من عدلين لما روى الحسين بن حريث الجدلي جديلة قيس قال : خطبنا أمير مكة الحرث بن خاطب فقال : أمرنا رسول الله A أن ننسك لرأيته فإن لم نره فهذان شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما وقال في القديم والجديد : يقبل من عدل واحد وهو الصحيح لما روى عبد الله بن عمر Bه قال : تراءى الناس الهلال فأخبرت النبي A أني رأيته فصام رسول الله A وأمر الناس بالصيام ولأنه إيجاب عبادة فقبل من واحد احتياطا للفرض فإن قلنا يقبل من واحد فهل من العبد والمرأة ؟ فيه وجهان : أحدهما يقبل لأن ما قبل فيه قول الواحد قبل من العبد والمرأة كأخبار رسول الله A والثاني لا يقبل وهو الصحيح لأن طريقها طريق الشهادة بدليل أنه لا تقبل من شاهد الفرع مع حضور شاهد الأصل فلم يقبل من العبد والمرأة كسائر الشهادات ولا يقبل في هلال الفطر إلا شاهدان لأنه إسقاط فرض فاعتبر فيه العدد احتياطا للفرض فإن شهد واحد على رؤية هلال رمضان فقبل قوله وصاموا ثلاثين يوما وتغيمت السماء ففيه وجهان : أحدهما أنهم لا يفطرون لأنه إفطار بشاهد واحد والثاني أنهم يفطرون وهو المنصوص في الأم لأنه بينة ثبت بها الصوم فجاز الإفطار باستكمال العدد منها كالشاهدين وقوله إن هذا إفطار بشاهد لا يصح لأنه الذي ثبت بالشاهد هو الصوم والفطر ثبت على سبيل التبع وذلك يجوز كما تقول إن النسب لا يثبت بقول أربع نسوة ثم لو شهد أربع نسوة بالولادة ثبتت الولادة وثبت النسب على سبيل التبع للولادة وإن شهد اثنان على رؤية هلال رمضان فصاموا ثلاثين يوما والسماء مصحية فلم يروا الهلال ففيه وجهان : قال أبو بكر بن الحداد : لا يفطرون لأن عدم الهلال مع الصحو يقين والحكم بالشاهدين ظن واليقين يقدم على الظن وقال أكثر أصحابنا : يفطرون لأن شهادة اثنين يثبت بها الصوم والفطر فوجب أن يثبت بها الفطر وإن غم عليهم الهلال وعرف رجل الحساب ومنازل القمر وعرف بالحساب أنه من شهر رمضان ففيه وجهان : قال أبو العباس : يلزمه الصوم لأنه عرف الشهر بدليل فأشبه إذا عرف بالبينة والثاني أنه لا يصوم لأنا لم نتعبد إلا بالرؤية ومن رأى هلال رمضان وحده صام وإن رأى هلال شوال وحده أفطر وحده لقوله A : [ صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ] ويفطر لرؤية هلال شوال سرا لأنه إذا أظهر الفطر عرض نفسه للتهمة وعقوبة السلطان .
فصل : وإن اشتبهت الشهور على أسير لزمه أن يتحرى ويصوم كما يلزمه أن يتحرى في وقت الصلاة وفي القبلة فإن تحرى وصام فوافق الشهر أو ما بعده أجزأه فإن وافق شهرا بالهلال ناقصا وشهر رمضان الذي صامه الناس كان تاما ففيه وجهان : أحدهما يجزئه وهو اختيار الشيخ أبي حامد الإسفراييني C - لأن الشهر يقع على ما بين الهلالين ولهذا لو نذر صوم شهر فصام شهرا ناقصا بالأهلة أجزأه والثاني أنه يجب عليه صوم يوم - وهو اختيار شيخنا القاضي أبي الطيب الطبري C - وهو الصحيح عندي لأنه فاته صوم ثلاثين يوما وقد صام تسعة وعشرين يوما فلزمه صوم يوم وإن وافق صومه شهر أقبل رمضان قال الشافعي C : لا يجزئه ولو قال قائل يجزئه كان مذهبا قال أبو إسحاق المروزي لا يجزئه قولا واحدا وقال سائر أصحابنا : فيه قولان : أحدهما يجزئه لأنه عبادة تفعل في السنة مرة فجاز أن يسقط فرضها بالفعل قبل الوقت عند الخطأ كالوقوف بعرفة إذا أخطأ الناس ووقفوا قبليوم عرفة والثاني لا يجزئه وهو الصحيح لأنه تعين له تيقن الخطأ فيما يؤمن مثله في القضاء فلم يعتد بما فعله كما لو تحرى في وقت الصلاة فصلى قبل الوقت .
فصل : ولا يصح صوم رمضان ولا غيره من الصيام إلا بالنية لقوله A [ إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى ] ولأنه عبادة محضة فلم يصح من غير نية كالصلاة وتجب النية لكل يوم لأن صوم كل يوم عبادة منفردة يدخل وقتها بطلوع الفجر ويخرج وقتها بغروب الشمس ولا يفسد بفساد ما قبله ولا بفساد ما بعده فلم تكفه نية واحدة كالصلاة ولا يصح صوم رمضان ولا غيره من الصوم الواجب إلا بنية من الليل لما روت حفصة Bها أن النبي A قال : [ من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له ] وهل تجوز نية مع طلوع الفجر ؟ فيه وجهان : من أصحابنا من قال يجوز لأنه عبادة فجاز بنية تقارن ابتداءها كسائر العبادات وقال أكثر أصحابنا : لا يجوز إلا بنية من الليل لحديث حفصة Bها ولأن أول وقت الصوم يخفى فوجب تقديم النية عليه بخلاف سائر العبادات فإذا قلنا بهذا فهل تجوز النية في جميع الليل ؟ فيه وجهان : من أصحابنا من قال لا يجوز إلا في النصف الثاني قياسا على أذان الصبح والدفع من المزدلفة وقال أكثر أصحابنا تجوز في جميع الليل لحديث حفصة ولأنا لو أوجبنا النية في النصف الثاني ضاق ذلك على الناس وشق فإن نوى بالليل ثم أكل أو جامع لم تبطل نيته وحكي عن أبي إسحاق أنه قال : تبطل لأن الأكل ينافي الصوم فأبطل النية والمذهب الأول وقيل إن أبا إسحاق رجع عن ذلك والدليل عليه أن الله تعالى أحل الأكل إلى طلوع الفجر فلو كان الأكل يبطل النية لما جاز أن يأكل إلى الفجر لأنه يبطل النية .
فصل : وأما صوم التطوع فإنه يجوز بنية قبل الزوال وقال المزني : لا يجوز إلا بنية من الليل كالفرض والدليل على جوازه ما روت عائشة Bها أن النبي A قال [ أصبح عندكم اليوم شيء تطعموناه يا عائشة فقالت : لا فقال : إني إذا صائم ] ويخالف الفرض لأن النفل أخف من الفرض والدليل عليه أنه يجوز ترك القيام واستقبال القبلة في النفل مع القدرة ولا يجوز في الفرض وهل تجوز نيته بعد الزوال ؟ فيه قولان : روى حرملة أنه يجوز لأنه جزء من النهار فجازت نية النفل فيه كالنصف الول وقال في القديم والجديد لا تجوز لأن النية لم تصحب معظم العبادة فأشبه إذا نوى مع غروب الشمس ويخالف النصف الأول لأن النية هناك صحبت معظم العبادة ومعظم الشيء يجوز أن يقوم مقام الجميع ولهذا لو أدرك معظم الركعة مع الإمام جعل مدركا للركعة ولو أدرك دون المعظم لم يجعل مدركا لها فإن صام التطوع بنية من النهار فهل يكون صائما من أول النهار أو من وقت النية ؟ فيه وجهان : قال أبو إسحاق يكون صائما من وقت النية لأن ما قبل النية لم توجد فيه قصد القربة فلم يجعل صائما فيه وقال أكثر أصحابنا إنه صائم من أول النهار لأنه لو كان صائما من وقت النية لم يضره الأكل قبله .
فصل : ولا يصح صوم رمضان إلا بتعيين النية وهو أن ينوي أنه صائم من رمضان لأنه فريضة وهو قربة مضافة إلى وقتها فوجب تعيين الوقت في نيتها كصلاة الظهر والعصر وهل يفتقر إلى نية الفرض ؟ فيه وجهان : قال أبو إسحاق يلزمه أن ينوي صوم فرض رمضان لأن صوم رمضان قد يكون نفلا في حق الصبي فيفتقر إلى نية الفرض لتميزه من صوم الصي وقال أبو علي بن أبي هريرة : لا يفتقر إلى ذلك لأن رمضان في حق البالغ لا يكون إلا فرضا فلا يفتقر إلى تعيين الفرض فإن نوى في ليلة الثلاثين من شعبان فقال : إن كان غد من رمضان فأنا صائم عن رمضان أو عن تطوع وكان من رمضان لم يصح لعلتين : إحداهما أنه لم يخلص النية لرمضان والثاني أن الأصل أنه من شعبان فلم تصح نية رمضان ولأنه شك في دخول وقت العبادة فلم تصح نيته كما لو شك في دخول وقت الصلاة وإن قال إن كان غد من رمضان فأنا صائم عن رمضان وإن لم يكن من رمضان فأنا صائم عن تطوع لم يصح لعلة واحدة وهو أن الأصل أنه من شعبان فلا يصح بنية الفرض فإن قال ليلة الثلاثين من رمضان إن كان غد من رمضان فأنا صائم عن رمضان أو مفطر وكان من رمضان لم يصح صومه لأنه لم يخلص النية للصوم فإن قال إن كان غد من رمضان وإن لم يكن فأنا مفطر وكان من رمضان صح صومه لأنه أخلص النية للفرض وبنى عن الأصل لأن الأصل أنه من رمضان ومن دخل في الصوم ونوى الخروج منه بطل الصوم لأن النية شرط في جميعه فإذا قطعها في أثنائه بقي الباقي بغير نية فبطل وإذا بطل البعض بطل الجميع لأنه لا ينفرد بعضه عن بعض ومن أصحابنا من قال لا تبطل لأنه عبادة تتعلق الكفارة بجنسها فلم تبطل بنية الخروج كالحج والأول أظهر لأن الحج لا يخرج منه بما يفسده والصوم يخرج منه بما يفسده فكان كالصلاة .
فصل : ويدخل في الصوم بطلوع الفجر ويخرج بغروب الشمس لما روى عمر Bه أن النبي A قال : [ إذا أقبل الليل من هنا وأدبر النهار من هنا وغابت الشمس من ههنا فقد أفطر الصائم ] ويجوز أن يأكل ويشرب ويباشر إلى طلوع الفجر لقوله تعالى : { فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل } [ البقرة187 ] فإن جامع قبل طلوع الفجر وأصبح وهو جنب وجاز صومه لأنه لما أذن في المباشرة إلى طلوع الفجر ثم أمر بالصوم دل على أنه يجوز أن يصبح صائما وهو جنب وروت عائشة Bها أن النبي A كان يصبح جنبا من جماع غير احتلام ثم يصوم فإن طلع الفجر وفيه طعام فأكله أو كان مجامعا فاستدام بطل صومه وإن لفظ الطعام أو أخرج مع طلوع الفجر لم يصح صومه لأن الجماع إيلاج وإخراج وإن بطل بالإيلاج بطل بالإخراج والدليل على أنه يصح صومه هو أن الإخراج ترك الجماع وما علق على فعل شيء لا يتعلق بتركه كما لو حلف أن لا يلبس هذا الثوب وهو عليه فبدأ بنزعه لم يحنث وإن أكل وهو يشك في طلوع الفجر صح صومه لأن الأصل بقاء الليل وإن أكل وهو يشك في غروب الشمس لم يصح صومه لأن الأصل بقاء النهار .
فصل : ويحرم على الصائم الأكل والشرب لقوله D : { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل } [ البقرة 187 ] وإن أكل أو شرب وهو ذاكر للصوم عالم بالتحيم مختار بطل صومه لأنه فعل ما ينافي الصوم من غير عذر فبطل فإذا استعط أو صب الماء في أذنه فوصل إلى دماغه بطل صومه لما روى لقيط بن صبرة أن النبي A قال : [ إذا استنشقت فبالغ في الوضوء إلى أن تكون صائما ] فدل على أنه إذا وصل إلى الدماغ شيء بطل صومه ولأن الدماغ أحد الجوفين فبطل الصوم بالواصل إليه كالبطن وإن احتقن بطل صومه لأنه إذا بطل بما يصل إلى الدماغ لسعوط فلأن يبطل بما يصل إلى الجوف بالحقنة أولى وإن كانت به جائفة أو آمة فداواها فوصل الدواء إلى الجوف أو الدماغ أو طعن نفسه أوطعنه غيره بإذنه فوصلت الطعنة إلى جوفه بطل صومه لما ذكرناه في السعوط أو الحقنة وإن زرق في إحليله شيئا أو دخل فيه ميلا ففيه وجهان : أحدهما يبطل صومه لأنه منفذ يتعلق الفطر بالخارج منه فتعلق بالواصل إليه كالفم والثاني أنه لا يبطل لأنه ما يصل إلى المثانة لا يصل إلى الجوف فهو بمنزلة ما لو ترك في فيه شيئا