وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

كتاب السير .
من أسلم في دار الحرب و لم يقدر على إظهار دينه و قدر على الهجرة و جبت عليه الهجرة لقوله عز و جل : { إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم و ساءت مصيرا } [ النساء : 97 ] روي أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ أنا بريء من كل مسلم مع مشرك ] فإن لم يقدر على الهجرة لم يجب عليه لقوله عز و جل : { إلا المستضعفين من الرجال و النساء و الولدان لا يستطيعون حيلة و لا يهتدون سبيلا * فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم و كان الله عفوا غفورا } [ النساء : 98 ] و إن قدر على إظهار الدين و لم يخف الفتنة في الدين لم تجب عليه الهجرة لأنه لما أوجب على المستضعفين دل على أنه لا تجب على غيرهم و يستحب له أن يهاجر لقوله عز و جل : { لا تتخذوا اليهود و النصارى أولياء بعضهم أولياء بعض } [ المائدة : 51 ] و لأنه إذا أقام في دار الشرك كثر سوادهم و لأنه لا يؤمن أن يميل إليهم ولأنه ربما ملك الدار فاسترق ولده .
فصل : و الجهاد فرض و الدليل عليه قوله عز و جل : { كتب عليكم القتال و هو كره لكم } [ البقرة : 216 ] و قوله تعالى : { جاهدوا بأموالكم و أنفسكم } [ التوبة : 41 ] و هو فرض إلى الكفاية إذا قام به من فيه كفاية سقط الفرض عن الباقين قوله عز و جل : { لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر و المجاهدون في سبيل الله بأموالهم و أنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة و كلا وعد الله الحسنى } [ النساء : 95 ] و لو كان فرضا على الجميع لما فاضل بين من فعل و بين من ترك و لأنه وعد الجميع بالحسنى يدل على أنه ليس بفرض على الجميع و روى أبو سعيد الخدري Bه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث إلى بني لحيان و قال : [ ليخرج من كل رجلين رجل ثم قال للقاعدين : أيكم خلف الخارج في أهله و ماله بخير كان له مثل أجر نصف الخارج ] و لأنه لو جعل فرضا على الأعيان لاشتغل الناس به عن العمارة و طلب المعاش فيؤدي ذلك إلى خراب الأرض و هلاك الخلق .
فصل : و يستحب الإكثار منه لما روى أبو هريرة Bه قال : سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم أي الأعمال أفضل قال : [ الإيمان بالله ورسوله وجهاد في سبيل الله ] وروى أبو سعيد الخدري Bه أن رسول الله A قال : [ يا أبا سعيد من رضي بالله ربا و بالإسلام دينا و بمحمد صلى الله عليه و سلم نبيا و جبت له الجنة فقال أعدها يا رسول الله ففعل ثم قال : و أخرى يرفع الله بها للعبد مائة درجة في الجنة ما بين كل درجتين كما بين السماء و الأرض قلت : و ما هي يا رسول الله قال : الجهاد في سبيل الله الجهاد في سبيل الله ] و روى أبو هريرة Bه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ و الذي نفسي بيده وددت أن أقاتل في سبيل الله فأقتل ثم أحيا فأقتل ثم أحيا فأقتل ] كان أبو هريرة يقول ثلاثا أشهد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قالها ثلاثا و روي أن النبي صلى الله عليه و سلم غزا سبعا و عشرين غزوة و بعث خمسا و ثلاثين سرية .
فصل : و أقل مل يجزئ في كل سنة مرة لأن الجزية تجب في كل سنة مرة و هي بدل عن القتل فكذلك القتل و لأن في تعطيله في أكثر من سنة ما يطمع العدو في المسلمين فإن دعت الحاجة في السنة إلى أكثر من مرة وجب لأنه فرض على الكفاية فوجب منه ما دعت الحاجة إليه فإن دعت الحاجة الى تأخيره لضعف المسلمين أو قلة ما يحتاج إليه من قتالهم من المدة و للطمع في إسلامهم و نحو ذلك من الأعذار جاز تأخيره لأن النبي صلى الله عليه و سلم أخر قتال قريش بالهدنة و أخر قتال غيرهم من القبائل بغير هدنة و لأن ما يجري من النفع بتأخيره أكثر مما يجرى من النفع بتقديمه فوجب تأخيره .
فصل : و لا يجاهد أحد عن أحد بعوض و بغير عوض لأنه إذا حضر تعين عليه الفرض في حق نفسه فلا يؤديه عن غيره كما لا يحج عن غيره وعليه فرضه .
فصل : ولا يجب الجهاد على المرأة لما روت عائشة Bه قالت : سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الجهاد فقال : [ جهادكن الحج أو حسبكن الحج ] و لأن الجهاد هو القتال و هن لا يقاتلن و لهذا رأى عمر بن أبي ربيعة امرأة مقتولة فقال : .
( إن من أكبر الكبائر عندي ... قتل بيضاء حرة عطبول ) .
( كتب القتل و القتال علينا ... و على الغانيات جر الذيول ) .
ولا يجب على الخنثى المشكل لأنه يجوز أن بكون امرأة فلا يجب عليه بالشك ولا يجب على العبد لقوله عز و جل : { ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج } [ التوبة : 91 ] و العبد لا يجد ما ينفق و روي أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا أسلم عنده رجل لا يعرفه قال : [ أحر هو أم مملوك ] فإن قال أنا حر بايعه على الإسلام و الجهاد و إن قال أنا مملوك بايعه على الإسلام و لم يبايعه على الجهاد و لأنه عبادة متعلقة بقطع مسافة بعيدة فلا يجب على العبد كالحج .
فصل : و لا يجب على الصبي و المجنون لما روى علي كرم الله وجهه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ و عن النائم حتى يستيقظ و عن المجنون حتى يفيق ] و روى عروة بن الزبير قال : رد رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم بدر نفرا من أصحابه استصغرهم منهم عبد الله بن عمر و هو يومئذ ابن أربع عشرة سنة و أسامة بن زيد و البراء بن عازب و زيد بن ثابت و زيد بن أرقم و عرابة بن أوس و رجل من بني حارثة فجعلهم حرسا للذراري و النساء ولأنه عبادة على البدن فلا يجب على الصبي و المجنون كالصوم و الصلاة و الحج .
فصل : و لا يجب على الأعمى لقوله عز و جل : { ليس على الأعمى حرج و لا على الأعرج حرج و لا على المريض حرج } [ النور : 61 ] ولا يختلف أهل التفسير أنها في سورة الفتح أنزلت في الجهاد ولأنه لا يصلح للقتال فلم يجب عليه و إن كان في بصره شيء فإن كان يدرك الشخص و ما يتقيه من السلاح وجب عليه لأنه يقدر على القتال و إن لم يدرك ذلك لم يجب عليه لأنه لا يقدر على القتال و يجب على الأعور و الأعشى و هو الذي يبصر بالنهار دون الليل لأنه كالبصير في القتال و لا يجب على الأعرج الذي يعجز عن الركوب و المشي للآية و لأنه لا يقدر على القتال ويجب عليه إذا قدر على الركوب والمشي لأنه يقدر على القتال و لا يجب على الأقطع و الأشل لأنه يحتاج في القتال إلى يد يضرب بها ويد يتقي بها و إن قطع أكثر أصابعه لم يجب عليه لأنه لا يقدر على القتال وإن قطع الأقل وجب عليه لأنه يقدر على القتال و لا يجب على المريض الثقيل للآية و لأنه لا يقدر على القتال و يجب على من به حمى خفيفة أو صداع قليل لأنه يقدر على الفتال .
فصل : و لا يجب على الفقير الذي لا يجد ما ينفق في طريقه فاضلا عن نفقة عياله لقوله عز و جل : { و لا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج } [ التوبة : 91 ] فإن كان القتل على باب البلد أو حواليه وجب عليه لأنه لا يحتاج الى نفقة الطريق و ان كان على مسافة تقصر فيها الصلاة و لم يقدر على مركوب يحمله لم يجب عليه قوله عز و جل : { ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا أن لا يجدوا ما ينفقون } [ التوية : 92 ] و لأنها عبادة تتعلق بقطع مسافة بعيدة فلم تجب من غير مركوب كالحج و إن بذل له الإمام ما يحتاج اليه من مركوب و جب عليه أن يقبل و يجاهد لأن ما يعطيه الإمام حق له و إن بذل له غيره لم يلزمه قبوله لأنه اكتساب مال لتجب به العبادة فلم يجب كاكتساب المال للحج و الزكاة .
فصل : ولا يجب على من عليه دين حال من أن يجاهد من غير إذن غريمه لما روى أبو قتادة Bه أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : يا رسول الله أرأيت إن قتلت في سبيل الله كفر الله خطاياي ؟ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إن قتلت في سبيل الله صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر كفر خطاياك إلا الدين كذلك قال لي جبريل ] ولأت فرض الدين متعين عليه فلا يجوز تركه لفرض على الكفاية يقوم عنه غيره مقامه فإن استناب من يقضيه من مال حاضر جاز لأن الغريم يصل إلى حقه و إن كان من مال غائب لم يجز لأنه قد يتلف فيضيع حق الغريم و إن كان الدين مؤجلا ففيه وجهان : أحدهما أنه يجوز أن يجاهد من غير إذن الغريم كما يجوز أن يسافر لغير الجهاد و الثاني أنه لا يجوز لأنه يتعرض للقتل طلبا للشهادة فلا يؤمن أن يقتل فيضيع دينه .
فصل : و إن كان أحد أبويه مسلما لم يجز أن يجاهد بغير إذنه لما روى عبد الله بن عمرو بن العاص Bه قال : جاء رجل الى رسول الله صلى الله عليه و سلم يستأذنه في الجهاد فقال : [ أحي والداك قال نعم فقال : ففيهما فجاهد ] و روى عبد الله بن مسعود Bه قال : سألت النبي صلى الله عليه و سلم أي الأعمال أفضل ؟ فقال : [ الصلاة لميقاتها قلت ثم ماذا ؟ فقال : بر الوالدين قلت : ثم ماذا ؟ قال : الجهاد في سبيل الله ] فدل على أن بر الوالدين مقدم على الجهاد و لأن الجهاد فرض على الكفاية ينوب عنه فيه غيره وبر الوالدين فرض يتعين عليه لأنه لا ينوب عنه فيه غيره و لهذا قال رجل لابن عباس Bه إني نذرت أن أغزو الروم و إن أبوي منعاني فقال : أطع أبويك فإن الروم ستجد من يغزوها غيرك و إن لم يكن له أبوان وله جد أو جدة لم يجز أن يجاهد من غير إذنهما لأنهما كلأبوين في البر و إن كان له أب و جد أو أم وجدة فهل يلزمه استئذان الأب مع الحد أو استئذان الجدة مع الأم فيه وجهان : أحدهما لا يلزمه لأن الأب و الأم يحجبان الجد و الجدة عن الولاية و الحضانة و الثاني يلزمه وهو الصحيح عندي لأن وجود الأبوين لا يسقط بر الجدين و لا ينقص شفقتهما عليه و إن كان الأبوان كافرين جاز أن يجاهد من غير إذنهما لأنهما متهمان في الدين وإن كانا مملوكين فقد قال بعض أصحابنا أنه يجاهد من غير إذنهما لأنه لا إذن لهما في أنفسهما فلم يعتبر إذنهما لغيرهما قال الشيخ الإمام : و عندي أنه لا يجوز أن يجاهد إلا بإذنهما لأن المملوك كالحر في البر و الشفقة فكان كالحر في اعتبار الإذن و ان أراد الولد أن يسافر في تجارة أو في طلب علم جاز من غير إذن الأبوين لأن الغالب في سفره السلامة .
فصل : و إن أذن الغريم لغريمه أو الوالد لولده ثم رجعا أو كانا كافرين فأسلما فإن كان ذلك قبل التقاء الزحفين لم يجز الخروج إلا بالإذن و ان كان بعد التقاء الزحفين ففيه قولان : أحدهما أنه لا يجوز أن يجاهد إلا بالإذن لأنه عذر يمنع وجوب الجهاد فإذا طرأ منع من الوجوب كالعمى و المرض و الثاني أنه يجاهد من غير إذن لأنه اجتمع حقان متعينان و تعين الجهاد سابق فقدم و إن أحاط العدو بهم تعين فرض الجهاد و جاز من غير إذن الغريم ومن غير إذن الأبوين لأن ترك الجهاد في هذه الحالة يؤدي إلى الهلاك فقدم على حق الغريم و الأبوين .
فصل : و يكره الغزو من غير إذن الإمام أو الأمير من قبله لأن الغزو على حسب حال الحاجة و الإمام و الأمير أعرف بذلك و لا يحرم لأنه ليس فيه أكثر من التغرير بالنفس و التغرير بالنفس يجوز في الجهاد .
فصل : و يجب على الإمام أن يشحن ما يلي الكفار من بلاد المسلمين بجيوش يكفون من يليهم و يستعمل عليهم أمراء ثقات من أهل الإسلام مدبرين لأنه إذا لم يفعل ذلك لم يؤمن أنه إذا توجه في جهة الغزو أن يدخل العدو من جهة أخرى فيملك بلاد الإسلام و إن احتاج إلى بناء حصن أو حفر خندق فعل لأن النبي صلى الله عليه و سلم حفر الخندق و قال البراء بن عازب : رأيت النبي صلى الله عليه و سلم يوم الخندق ينقل التراب حتى وارى التراب شعره و هو يرتجز برجز عبد الله بن رواحة و هو يقول : .
( اللهم لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا ) .
( فأتزلن سكينة علينا ... وثبت الأقدام إن لاقينا ) .
و إذا أراد الغزو بدأ بالأهم فالأهم لقوله عز و جل { قاتلوا الذين يلونكم من الكفار } [ التوبة : 123 ] فاذا استوت الجهاد في الخوف اجتهد و بدأ بأهمها عنده .
فصل : و إذا أراد الخروج عرض الجيش و لا يأذن لمخذل و لا لمن يعاون الكفار بالمكاتبة لقوله عز و جل { لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا و لأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة } [ التوبة : 47 ] قيل في التفسير لأوقعوا بينكم الاختلاف و قيل و شرعوا في تفريق جمعكم و لأن في حضورهم إضرارا بالمسلمين و لا نستعين بالكفار من غير حاجة الله لما روت عائشة Bها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خرج الى بدر فتبعه رجل من المشركين فقال له : [ تؤمن بالله و رسوله قال : لا قال : فارجع فلن أستعين بمشرك ] فان احتاج أن يستعين بهم فإن لم يكن من يستعين به حسن الرأي في المسلمين لم نستعن به لأن ما يخاف من الضرر بحضورهم أكثر مما يرجى من المنفعة و إن كان حسن الرأي في المسلمين جاز أن نستعين بهم لأن صفوان بن أمية شهد مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في شركه حرب هوازن و سمع رجلا يقول غلبت هوازن و قتل محمد فقال بفيك الحجر لرب من قريشس أحب إلي من رب من هوازن و إن احتاج إلى أن يستأجرهم جاز لأنه لا يقع الجهاد له و في القدر الذي يستأجر به وجهان : أحدهما لا يجوز له أن تبلغ الأجرة سهم راجل لأنه ليس من أهل فرض الجهاد فلا يبلغ حقه سهم راجل كالصبي و المرأة و الثاني و هو المذهب أنه يجوز لأنه عوض في الإجارة فجاز أن يبلغ قدر سهم الراجل كالأجرة في سائر الإجارات و يجوز أن يأذن للنساء لما روت الربيع بنت معوذ قالت : كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فنخدم القوم و نسقيهم الماء و نرد الجرحى والقتلى إلى المدينة و يجوز أن يأذن لمن اشتد من الصبيان لأن فيهم معاونة و لا يأذن المجنون لأنه يعرضه للهلاك من غير منفعة و ينبغي أن يتعاهد الخيل فلا يدخل حطبا و هو الكسير ولا فحما وهو الكبير ولا ضرعا وهو الصغير ولا أعجف وهو الهزيل لأنه ربما كان سببا للهزيمة و لأنه يزاحم به الغانمين في سهمهم و يأخذ البيعة على الجيش أن لا يفروا لما روى جابر Bه قال : كنا يوم الحديبية ألف رجل و أربعمائة فبايعناه تحت الشجرة على أن لا نفر و لم نبايعه على الموت يعني النبي صلى الله عليه و سلم و يوجه الطلائع و من يتجسس أخبار الكفار لما روى جابر Bه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الخندق : [ من يأتينا بخبر القوم ؟ فقال الزبير أنا فقال : إن لكل نبي حواريا و حواريي الزبير ] و المستحب أن يخرج يوم الخميس لما روى كعب بن مالك قال قلما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يخرج في سفر إلا يوم الخميس و يستحب أن يعقد الرايات و يجعل تحت كل راية طائفة لما روى ابن عباس Bه أن أبا سفيان أسلم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ يا عباس أحبسه على الوادي حتى تمر به جنود الله فيراها ] قال العباس : فحبسته حيث أمرني رسول الله صلى الله عليه و سلم و مرت به القبائل على راياتها حتى مر به رسول الله صلى الله عليه و سلم في الكتيبة الخضراء كتيبة فيها المهاجرون والأنصار لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد فقال : [ من هؤلاء يا عباس قال : قلت هذا رسول الله صلى الله عليه و سلم في المهاجرين و الأنصار فقال : ما لأحد بهؤلاء من قبل و الله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيما ] و المستحب أن يدخل إلى دار الحرب بتعية الحرب لما روى أبو هريرة Bه قال : كنت مع النبي A يوم فتح مكة فجعل خالد بن الوليد على إحدى المجنبتين و جعل الزبير على الأخرى و جعل أبا عبيدة على الساقة و بطن الوادي و لأن ذلك أحوط للحرب و أبلغ في إرهاب العدو .
فصل : و إن كان العدو ممن لم تبلغهم لدعوة لم يجز قتالهم حتى يدعوهم الى الإسلام لأنه لا يلزمهم الإسلام قبل العلم و الدليل عليه قوله عز و جل : { و ما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } [ الإسراء : 15 ] ولا يجوز قتالهم على ما يلزمهم و إن بلغتهم الدعوة فالأحب أن يعرض عليهم الإسلام لما روى سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم الله لعلي كرم الله وجهه يوم خيبر : [ إذا نزلت بساحتهم فادعهم الى الإسلام و أخبرهم بما يجب عليهم فوالله لأن يهدي لله بهداك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم ] و إن قاتلهم من غير أن يعرض عليهم الإسلام جاز لما روى نافع قال : أغار رسول الله صلى الله عليه و سلم على بني المصطلق و هم غارون و قيل و هم غافلون .
فصل : فان كانوا ممن لا يجوز إقرارهم على الكفر بالجزية قاتلهم الى أن يسلموا لقوله صلى الله عليه و سلم : [ أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم و أموالهم إلا بحقها ] و إن كانوا ممن يجوز إقرارهم على الكفر بالجزية قاتلهم الى أن يسلموا أو يبذلوا الجزية و الدليل عليه قوله تعالى : { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر و لا يحرمون ما حرم الله و رسوله و لا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد و هم صاغرون } [ التوبة : 29 ] و روى بريدة Bه قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا بعث أميرا على جيش أو سرية قال : إذا لقيت عدوا من المشركين فادعهم الى إحدى ثلاث خصال فأيتهن ما أجابوك إليها فاقبل منهم و كف عنهم و ادعهم الى الدخول في الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم و كف عنهم ثم ادعهم إلى التحول من دارهم الى دار الهجرة فان فعلوا فأخبرهم أن لهم ما للمهاجرين و عليهم ما على المهاجرين فإن دخلوا في الإسلام و أبوا أن يتحولوا الى دار الهجرة فأخبرهم أنهم كأعراب المؤمنين الذين يجري عليهم حكم الله تعالى و لا يكون لهم في الفيء و الغنيمة شيء حتى يجاهدوا مع المؤمنين فإن فعلوا فاقبل منهم و كف عنهم و إن أبوا فادعهم الى إعطاء الجزية فإن فعلوا فاقبل منهم و كف عنهم و إن أبوا فاستعن بالله عليهم ثم قاتلهم و يستحب الاستنصار بالضعفاء لما روى أبو الدرداء Bه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : [ ائتوني بضعفائكم فإنما تنصرون و ترزقون بضعفائكم ] و يستحب أن يدعو عند التقاء الصفين لما روى أنس Bه قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا غزا قال : [ اللهم أنت عضدي و أنت ناصري و بك أقاتل ] و روى أبو موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا خاف أمرا قال : [ اللهم إني أجعلك في نحورهم و أعوذ بك من شرورهم ] و يستحب أن يحرض الجيش على القتال لما روى أبو هريرة Bه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ يا معشر الأنصار هذه أوباش قريش قد جمعت لكم إذا لقيتموهم غدا فاحصدوهم حصدا ] و روى سعد Bه قال : نقل لي رسول الله صلى الله عليه و سلم كنانته يوم أحد و قال : [ ارم فداك أبي و أمي ] و يستحب أن يكبر عند لقاء العدو لما روى أنس Bه أن النبي صلى الله عليه و سلم غزا خيبر فلما رأى القرية قال : [ الله أكبر خربت خيبر فإذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين ] قالها ثلاثا و لا يرفع الصوت بالتكبير لما روى أبو موسى الأشعري قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزوة فأشرفوا على واد فجعل الناس يكبرون و يهللون الله أكبر الله أكبر يرفعون أصواتهم فقال : [ يا أيها الناس إنكم لا تدعون أصم و لا غائبا إنما تدعون قريبا سميعا إنه معكم ] .
فصل : و إذا التقى الزحفان و لم يزدد عدد الكفار على مثلي عدد المسلمين و لم يخافوا الهلاك تعين عليهم فرض الجهاد لقوله عز و جل : { الآن خفف الله عنكم و علم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين و إن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين } [ الأنفال : 66 ] و هذا أمر بلفظ الخبر لأنه لو كان خبرا لم يقع الخبر بخلاف المخبر فدل على أنه أمر المائة بمصابرة المائتين و أمر الألف بمصابرة الألفين و لا يجوز لمن تعين عليه أن يولي إلا متحرفا لقتال و هو أن ينتقل من مكان الى مكان أمكن للقتال أو متحيزا الى فئة و هو أن ينضم الى قوم ليعود معهم الى قتال و الدليل عليه قوله عز و جل : { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار * و من يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله } [ الأنفال : 15 - 16 ] و سواء كانت الفئة قريبة أو بعيدة و الدليل عليه ما روى ابن عمر Bه أنه كان في سرية من سرايا رسول الله صلى الله عليه و سلم فحاص الناس حيصة عظيمة و كنت ممن حاص فلما برزنا قلت كيف نصنع و قد فررنا من الزحف و بؤنا بغضب ربنا فجلسنا لرسول الله صلى الله عليه و سلم قبل صلاة الفجر فلما خرج قمنا و قلنا نحن الفرارون فقال : [ لا بل أنتم العكارون ] فدنونا فقبلنا يده فقال إنا فئة المسلمين و روي عن عمر Bه أنه قال : أنا فئة كل مسلم و هو بالمدينة و جيوشه في الآفاق إن ولى غير متحرف لقتال أو متحيزا إلى فئة أثم و ارتكب كبيرة و الدليل عليه ما روى أبو هريرة Bه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ الكبائر سبع أولهن الشرك بالله و قتل النفس بغير حقها وأكل الربا و أكل مال اليتيم بدارا أن يكبروا و فرار يوم الزحف و رمي المحصنات و انقلاب الى الأعراب ] فإن غلب على ظنهم أنهم إن ثبتوا لمثليهم هلكوا ففيه وجهان : أحدهما أن لهم أن يولوا لقوله عز و جل : { و لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } [ البقرة : 195 ] و الثاني أنه ليس لهم أن يولوا و هو الصحيح لقوله عز و جل : { إذا لقيتم فئة فاثبتوا } [ الأنفال : 45 ] و لأن المجاهد إنما يقاتل ليقتل أو يقتل و إن زاد عدد الكفار على مثلي عدد المسلمين فلهم أن يولوا لأنه لما أوجب الله عز و جل على المائة مصابرة المائتين دل على أنه لا يجب عليهم مصابرة ما زاد على المائتين و روى عطاء عن ابن عباس Bه أنه قال : من فر من اثنين فقد فر و من فر من ثلاثة فلم يفر و إن غلب على ظنهم أنهم لا يهلكون فالأفضل أن يثبتوا حتى لا ينكسر المسلمون و ان غلب على ظنهم أنهم يهلكون ففيه وجهان أحدهما : أنه يلزمهم أن ينصرفوا لقوله عز و جل : { و لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } و الثاني أنه يستحب أن ينصرفوا ولا يلزمهم لأنهم إن قتلوا فازوا بالشهادة و إن لقي رجل من المسلمين رجلين من المشركين في غير الحرب فإن طلباه و لم يطلبهما فله أن يولي عنهما لأنه غير نتأهب للقتال وإن طلبهما و لم يطلباه ففيه وجهان أحدهما : أن له أن يولي عنهما لأن فرض الجهاد في الجماعة دون الانفراد و الثاني أنه يحرم عليه أن يولي عنهما لأنه مجاهد لهما فلم يول عنهما كمل لو كان مع جماعة .
فصل : ويكره أن يقصد قتل ذي رحم محرم لأن رسول الله صلى الله عليه و سلم منع أبا بكر Bه من قتل ابنه فإن قتله لم يكره أن يقصد قتله كما لا يكره إذا قصد قتله و هو مسلم و إن سمعه يذكر الله عز و جل أو رسوله صلى الله عليه و سلم بسوء لم يكره أن يقتله لأن أبا عبيدة بن الجراح Bه قتل أباه و قال لرسول الله صلى الله عليه و سلم : سمعته يسبك و لم ينكر عليه .
فصل : و لا يجوز قتل نسائهم ولا صبيانهم إذا لم يقاتلوا لما روى ابن عمر Bه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن قتل النساء و الصبيان و لا يجوز قتل الخنثى المشكل لأنه يجوز أن يكون رجلا و يجوز أن يكون امرأة فلم يقتل مع الشك و ان قاتلوا جاز قتلهم لما روى ابن عباس Bه أن النبي صلى الله عليه و سلم مر بامرأة مقتولة يوم حنين فقال : [ من قتل هذه ؟ فقال رجل : أنا يا رسول الله غنمتها فأردفتها خلفي فلما رأت الهزيمة فينا أهوت الى سيفي أو إلى قائم سيفي لتقتلني فقتلتها فقال النبي صلى الله عليه و سلم : ما بال النساء ] ما شأن قتل النساء و لو حرم ذلك لأنكره النبي صلى الله عليه و سلم و لأنه إذا جاز قتلهن إذا قصدن القتل و هن مسلمات فلأن يجوز قتلهن و هن كافرات أولى .
فصل : و أما الشيخ الذي لا قتال فيه فإن كان له رأي في الحرب جاز قتله لأن دريد بن الصمة كان شيخا كبيرا و كان له رأي فإنه أشار على هوازن يوم حنين ألا يخرجوا معهم بالذراري فخالفه مالك بن عوف فخرج بهم فهزموا فقال دريد في ذلك : .
( أمرتهم أمري بمنعرج اللوى ... فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد ) .
و قتل و لم ينكر النبي A قتله و لأن الرأي في الحرب أبلغ من القتال لأنه هو الأصل و عنه يصدر القتال و لهذا قال المتنبي : .
( الرأي قبل شجاعة الشجعان ... هو أول و هي المحل الثاني .
فإذا هما اجتمعا لنفس مرة بلغت من العلياء كل مكان .
و لربمل طعن الفتى أقرانه بالرأي قبل تطاعن الفرسان ) .
و إن لم يكن له رأي ففيه و في الراهب قولان : أحدهما أنه يقتل لقوله عز و جل : { فاقتلوا المشركين حيث و جدتموهم } [ التوبة : 5 ] و لأنه ذكر مكلف حربي فجاز قتله بالكفر كالشاب و الثاني أنه لا يقتل لما روي أن أبا بكر Bه قال ليزيد بن أبي سفيان و عمرو بن العاص و شرحبيل بن حسنة لما بعثهم الى الشام لا تقتلوا الولدان و لا النساء ولا الشيوخ و ستجدون أقواما حبسوا أنفسهم إلى الصوامع فدعوهم و ما حبسوا له أنفسهم و لأنه لا نكاية له في المسلمين فلم يقتل بالكفر الأصلي كالمرأة .
فصل : و لا يقتل رسولهم لما روى أبو وائل قال : لما قتل عبد الله بن مسعود بن النواحة قال : إن هذا و ابن أثال قد كانا أتيا رسول الله صلى الله عليه و سلم رسولين لمسيلمة فقال لهما رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ أتشهدان أني رسول الله قالا : نشهد أن مسيلمة رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لو كنت قاتلا رسولا لضربت أعناقكم ] فجرت سنة أن لا تقتل الرسل .
فصل : فإن تترسوا بأطفالهم و نسائهم فإن كان في حال التحام الحرب جاز رميهم و يتوقى الأطفال و النساء لأنا لو تركنا رميهم جعل ذلك طريقا إلى تعطيل الجهاد و ذريعة إلى الظفر بالمسلمين و إن كان في غير حال الحرب ففيه قولان : أحدهما أنه يجوز رميهم لأن ترك قتالهم يؤدي إلى تعطيل الجهاد و الثاني أنه لا يجوز رميهم لأنه يؤدي إلى قتل أطفالهم ونسائهم من غير ضرورة و إن تترسوا بمن معهم من أسارى المسلمين فإن كان ذلك في حال التحام الحرب جاز رميهم و يتوقى المسلم لما ذكرناه و إن كان في غير التحام الحرب لم يجوز رميهم قولا واحدا و الفرق بينهم و بين أطفالهم و نسائهم أن المسلم محقون الدم لحرمة الدين فلم يجز قتله من غير ضرورة و الأطفال و النساء حقن دمهم لأنهم غنيمة للمسلمين فجاز قتلهم من غير ضرورة و إن تترسوا بأهل الذمة أو بمن بيننا و بينهم أمان كان الحكم فيه كالحكم فيه إذا تترسوا بالمسلمين لأنه يحرم قتلهم كما يحرم قتل المسلمين .
فصل : و إن نصب عليهم منجنيقا أو بيتهم ليلا و فيهم النساء و الأطفال جاز لما روى علي كرم الله وجهه أن النبي صلى الله عليه و سلم نصب المنجنيق على أهل الطائف و إن كانت لا تخلو من النساء و الأطفال و روى الصعب بن جثامة قال : سألت النبي صلى الله عليه و سلم عن الذراري من المشركين يبيتون فيصاب من نسائهم و ذراريهم فقال : [ هم منهم ] و لأن الكفار لا يخلون من النساء و الأطفال فلو تركنا رميهم لأجل النساء و الأطفال بطل الجهاد و إن كان فيهم أسارى من المسلمين نظرت فإن خيف منهم أنهم إذا تركوا قاتلوا و ظفروا بالمسلمين جاز رميهم لأن حفظ من معنا من المسلمين أولى من حفظ من معهم و إن لم يخف منهم نظرت فإن كان الأسرى قليلا جاز رميهم لأن الظاهر أنه لا يصيبهم و الأولى أن لا نرميهم لأنه ربما أصاب المسلمين و إن كانوا كثيرا لم يجز رميهم لأن الظاهر أنه يصيب المسلمين و ذلك لا يجوز من غير ضرورة