وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

باب العفو عن القصاص .
ومن وجب عليه القصاص وهو جائز التصرف فله أن يقتص وله أن يعفو على المال لما روى أبو شريح الكعبي أن النبي A قال : [ ثم أنتم يا خزاعة قد قتلتم هذا القتيل من هذيل وأنا والله عاقله فمن قتل بعده قتيلا فأهله بين خيرتين إن أحبوا قتلوا وإن أحبوا أخذوا الدية ] فإن عفا مطلقا بنينا على ما يجب بقتل العمد و فيه قولان : أحدهما أن موجب قتل العبد القصاص وحده ولا تجب الدية إلا بالاختيار والدليل عليه قوله عز و جل : { كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد } [ البقرة : 178 ] ولأن ما ضمن بالبدل في حق الآدمي ضمن ببدل معين كالمال والقول الثاني أن موجبه أحد الأمرين من القصاص أو الدية والدليل عليه أن له أن يختار ما شاء منهما فكان الواجب أحدهما كالهدي والطعام في جزاء الصيد فإذا قلنا إن الواجب هو القصاص وحده فعفا عن القصاص مطلقا سقط القصاص ولم تجب الدية لأنه لا يجب له غير القصاص وقد أسقطه بالعفو وإن قلنا إنه يجب أحد الأمرين فعفا عن القصاص وجبت الدية لأن الواجب أحدهما فإذا ترك أحدهما وجب الآخر وإن اختار الدية سقط القصاص وثبت المال ولم يكن له أن يرجع إلى القصاص وإن قال اخترت القصاص فهل له أن يرجع إلى الدية فيه وجهان : أحدهما له أن يرجع لأن القصاص أعلى فجاز أن ينتقل عنه إلى الأدنى والثاني ليس له أن يرجع إلى الدية لأنه تركها فلم يرجع إليها كالقصاص فإن جنى عمد على رجل جناية توجب القصاص فاشتراه بأرش الجناية سقط القصاص لأن عدوله إلى الشراء اختيار للمال وهل يصح الشراء ينظر فيه فإن كانا لا يعرفان عدد الإبل وأسنانها لم يصح الشراء لأنه بيع مجهول فإن كانا يعرفان العدد والأسنان ففيه قولان : أحدهما لا يصح الشراء لأن الجهل بالصفة كالجهل بالعدد والسن كما قلنا في السلم والثاني أنه يصح لأنه مال مستقر في الذمة تصح المطالبة به فجاز البيع به كالعوض في القرض .
فصل : فإن كان القصاص لصغير لم يجز للولي أن يعفو عنه على غير مال لأنه تصرف لا حظ للصغير فيه فلا يملكه الولي كهبة ماله وإن أراد أن يعفو على مال فإن كان له مال أو له من ينفق عليه لم يجز العفو لأنه يفوت عليه القصاص من غير حاجة وإن لم يكن له مال ولا من ينفق عليه ففيه وجهان : أحدهما يجوز العفو على مال لحاجته إلى المال ليحفظ به حياته والثاني لا يجوز وهو المنصوص لأنه يستحق النفقة في بيت المال ولا حاجة به إلى العفو عن القصاص وإن كان المقتول لا وارث له غير المسلمين كان الأمر إلى السلطان فإن رأى القصاص اقتص وإن رأى العفو على مال عفا لأن الحق للمسلمين فوجب على الإمام أن يفعل ما يراه من المصلحة فإن أراد أن يعفو على غير مال لم يجز لأنه تصرف لا حظ فيه للمسلمين فلم يملكه .
فصل : وإن كان القصاص لجماعة فعفا بعضهم سقط حق الباقين من القصاص لما روى زيد بن وهب أن عمر Bه أتي برجل قتل رجلا فجاء ورثة المقتول ليقتلوه فقالت أخت المقتول وهي امرأة القاتل قد عفوت عن حقي فقال عمر Bه عتق من القتل وروى قتادة Bه أن عمر Bه رفع إليه رجل قتل رجلا فجاء أولاد المقتول وقد عفا أحدهم فقال عمر لابن مسعود Bهما وهو إلى جنبه ما تقول فقال : إنه قد أحرز من القتل فضرب على كتفه وقال كنيف ملئ علما ولأن القصاص مشترك بينهم وهو مما لا يتبعض ومبناه على الإسقاط فإذا أسقط بعضهم حقه سرى إلى الباقي كالعتق في نصيب أحد الشريكين وينتقل حق الباقين إلى الدية لما روى زيد بن وهب قال : دخل رجل على امرأته فوجد عندها رجلا فقتلها فاستعدى إخوتها عمر فقال بعض إخوتها قد تصدقت بحقي فقضى لسائرهم بالدية ولأنه سقط حق من لم يعف عن القصاص بغير رضاه فثبت له البدل مع وجود المال كما يسقط حق من لم يعتق من الشريكين إلى القيمة .
فصل : وإن وكل من له القصاص من يستوفي له ثم عفا وقتل الوكيل ولم يعلم بالعفو ففيه قولان : أحدهما لا يصح العفو لأنه عفا في حال لا يقدر الوكيل على تلافي ما وكل فيه فلم يصح العفو كما لو عفا بعد ما رمى الحربة إلى الجاني والثاني يصح لأنه حق له فلا يفتقر عفوه عنه إلى علم غيره كالإبراء من الدين ولا يجب القصاص على الوكيل لأن قتله وهو جاهل بتحريم القتل وأما الدية فعلى القولين : إن قلنا إن العفو لا يصح لم تجب الدية كما لا تجب إذا عفا عنه بعد القتل وإن قلنا يصح العفو وجبت الدية على الوكيل لأنه قتل محقون الدم ولا يرجع بما غرمه من الدية على الموكل وخرج أبو العباس قولا آخر أنه يرجع عليه لأنه غره حين لم يعلمه بالعفو كما قلنا فيمن وطئ أمة غر بحريتها في النكاح وقلنا إن النكاح باطل أنه يلزمه المهر ثم يرجع به على من غره في أحد القولين وهذا خطأ لأن الذي غره في النكاح مسيء مفرط فرجع عليه والموكل ههنا محسن في العفو غير مفرط .
فصل : فإن جنى على رجل جناية فعفا المجني عليه عن القصاص فيها ثم سرت الجناية إلى النفس فإن كانت الجناية مما يجب فيها القصاص كقطع الكف والقدم لم يجب القصاص في النفس لأن القصاص لا يتبعض فإذا سقط في بالبعض سقط في الجميع وإن كانت الجناية مما لا قصاص فيها كالجائفة ونحوها وجب القصاص في النفس لأنه عفا عن القصاص فيما لا قصاص فيه فلم يعمل فيه العفو .
فصل : وإن قطع أصبع رجل عمدا فعفا المجني عليه عن القصاص والدية ثم اندملت سقط القصاص والدية وقال المزني C يسقط القصاص ولا تسقط الدية لأنه عفا عن القصاص بعد وجوبه فسقط وعفا عن الدية قبل وجوبها لأن الدية لا تجب إلا بالاندمال والعفو وجد قبله فلم تسقط وهذا خطأ لأن الدية تجب بالجناية والدليل عليه أنه لو جنى على طرف عبده ثم باعه ثم اندمل كان أرش الطرف له دون المشتري فدل على أنه وجب بالجناية وإنما تأخرت المطالبة إلى ما بعد الإندمال فصار كما لوعفا عن دين مؤجل فإن سرت الجناية إلى الكف واندملت سقط القصاص في الأصبع بالعفو ولم يجب في الكف لأنه تلف بالسراية والقصاص فيما دون النفس لا يجب بالسراية وسقطت دية الأصبع لأنه عفا عنها بعد الوجوب ولا يسقط أرش ما تسري إليه لأنه عفا عنه قبل الوجوب وإن سرت الجناية إلى النفس نظرت فإن قال عفوت عن هذه الجناية قودها وديتها وما يحدث منها سقط القود في الأصبع والنفس لأنه سقط في الأصبع بالعفو بعد الوجوب وسقط في النفس لأنها لا تتبعض وأما الدية فإنه إن كان العفو بلفظ الوصية فهو وصية للقاتل وفيها قولان : فإن قلنا لا تصح وجبت دية النفس وإن قلنا تصح وخرجت من الثلث سقطت وإن خرج بعضها سقط ما خرج منها من الثلث ووجب الباقي وإن كان بغير لفظ الوصية فهل هو وصية في الحكم أم لا فيه قولان : أحدهما أنه وصية لأنه يعتبر من الثلث والثاني أنه ليس بوصية لأن الوصية ما تكون بعد الموت وهذا إسقاط في حال الحياة فإذا قلنا إنه وصية فعلى ما ذكرناه من القولين في الوصية للقاتل وإن قلنا إنه ليس بوصية صح العفو عن دية الأصبع لأنه عفا عنها بعد الوجوب ولا يصح عما زاد لأنه عفا قبل الوجوب فيجب عليه دية النفس إلا أرش أصبع وأما إذا قال عفوت عن هذه الجناية قودها وعقلها ولم يقل وما يحدث منها سقط القود في الجميع لما ذكرناه ولا تسقط دية النفس لأنه أبرأ منها قبل الوجوب وأما دية الأصبع فإنه إن كان عفا عنها بلفظ الوصية أو بلفظ العفو وقلنا إنه وصية للقاتل وفيها قولان وإن كان بلفظ العفو وقلنا إنه ليس بوصية فإن خرج من الثلث سقط وإن خرج بعضه سقط منه ما خرج ووجب الباقي لأنه إبراء عما وجب .
فصل : فإن جنى جناية يجب فيها القصاص كقطع اليد فعفا عن القصاص وأخذ نصف الدية ثم عاد فقتله فقد اختلف أصحابنا فيه فذهب أبو سعيد الإصطخري رحمة الله عليه إلى أنه يلزمه القصاص في النفس أو الدية الكاملة إن عفى عن القصاص لأن القتل منفرد عن الجناية فلم يدخل حكمه في وجوب لأجله القصاص أو الدية ومن أصحابنا من قال لا يجب القصاص ويجب نصف الدية لأن الجناية والقتل كالجناية الواحدة فإذا سقط القصاص في بعضها سقط في جميعها ويجب نصف الدية لأنه وجب كمال الدية وقد أخذ نصفها وبقي له النصف ومنهم من قال يجب له القصاص في النفس وهو الصحيح لأن القتل انفرد عن الجناية فعفوه عن الجناية لا يوجب سقوط ما لزمه بالقتل ويجب له نصف الدية لأن القتل إذا تعقب الجناية قبل الاندمال صار بمنزلة ما لو سرت إلى النفس ولو سرت وجب فيها الدية وقد أخذ النصف وبقي النصف .
فصل : إذا قطع يد رجل فسرى القطع إلى النفس فاقتص في اليد ثم عفى عن النفس على غير مال لم يضمن اليد لأنه قطعها في حال لا يضمنها فأشبه إذا قطع يد مرتد فأسلم ولأن العفو يرجع إلى ما بقي دون ما استوفى كما لو قبض من ديته بعضه ثم أبرأه وإن عفى على مال وجب له نصف الدية لأنه بالعفو صار حقه في الدية وقد أخذ ما يساوي نصف الدية فوجب له النصف فإن قطع يدي رجل فسرى إلى نفسه فقطع الولي يدي الجاني ثم عفا عن النفس لم يجب له مال لأنه لم يجب له أكثر من دية وقد أخذ ما يساوي دية فلم يجب له شيء وإن قطع نصراني يد مسلم فاقتص منه في الطرف ثم سرى القطع إلى نفس المسلم فللوالي أن يقتله لأنه صارت الجناية نفسا وإن اختار أن يعفو على الدية ففيه وجهان : أحدهما أنه يجب عشرة آلاف درهم لأن دية المسلم اثنا عشر ألفا وقد أخذ ما يساوي ألفي درهم فوجب الباقي والثاني أنه يجب له نصف ديته وهو ستة آلاف درهم لأنه رضي أن يأخذ يدا ناقصة بيد كاملة ديتها ستة آلاف درهم فوجب الباقي وإن قطع يديه فاقتص منه ثم سرى القطع إلى نفس المسلم فللوالي أن يقتله لأنه صارت الجناية نفسا فإن عفى على الدية أخذ على الوجه الأول ثمانية آلاف درهم لأنه أخذ ما يساوي أربعة آلاف درهم وبقي له ثمانية آلاف درهم وعلى الوجه الثاني لا شيء له لأنه رضي أن يأخذ نفسه بنفسه فيصير كما لو استوفى ديته وإن قطعت امرأة يد رجل فاقتص منها ثم سرى القطع إلى نفس الرجل فلوليه أن يقتلها لما ذكرناه فإن عفا على مال وجب على الوجه الأول تسعة آلاف درهم لأن الذي أخذ يساوي ثلاثة آلاف درهم وبقي تسعة آلاف درهم وعلى الوجه الثاني يجب ستة آلاف لأنه رضي أن يأخذ يدها بيده وذلك بقدر نصف ديته وبقي الصف