وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

كتاب الغصب .
الغصب محرم لما روى أبو بكرة قال : خطبنا رسول الله ( ص ) فقال : [ إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ] وروى أبو حميد الساعدي أن رسول الله ( ص ) قال : [ لا يحل لامرئ أن يأخذ مال أخيه بغير طيب نفس منه ] .
فصل : ومن غصب ماله غيره وهو من أهل الضمان في حقه ضمنه لما روى سمرة أن النبي ( ص ) قال : [ على اليد ما أخذت حتى ترده ] .
فصل : فإن كان منفعة تستباح بالإجارة فأقام في يده مدة لمثلها أجرة ضمن الأجرة لأنه يطلب بدلها بعقد المغابنة فضمن بالغصب كالأعيان .
فصل : فإن كان المغصوب باقيا لزمه رده لما روى عبد الله بن السائب بن يزيد عن أبيه عن جده أن النبي ( ص ) قال : [ لا يأخذ أحدكم متاع أخيه لاعبا أو جادا إذا أخذ أحدكم عصا أخيه فليردها ] فإن اختلفت قيمته من حين الغصب إلى حين الرد لم يلزمه ضمان ما نقص من قيمته وقال أبو ثور من أصحابنا : يضمن كما يضمن زيادة العين وهذا خطأ لأن الغاصب يضمن ما غصب والقيمة لا تدخل في الغصب لأنه لا حق للمغصوب منه في القيمة مع بقاء العين وإنما حقه في العين والعين باقية كما كانت فلم يلزمه شيء .
فصل : وإن تلف في يد الغاصب أو أتلفه لم يخل إما أن يكون له مثل أو لا مثل له فإن لم يكن له مثل نظرت فإن كان من غير جنس الأثمان كالثياب والحيوان ضمنه بالقيمة لما روى ابن عمر Bه أن النبي ( ص ) قال : [ من أعتق شركا له في عبد فإن كان معه ما يبلغ به ثمن العبد قوم عليه وأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد ] وإلا فقد عتق عليه ما عتق فأوجب القيمة في العبد بالإتلاف بالعتق ولأن إيجاب مثله من جهة الخلقة لا يمكن لاختلاف الجنس الواحد في القيمة فكانت القيمة أقرب إلى إيفاء حقه وإن اختلفت قيمته من حين الغصب إلى حين التلف ضمنها بأكثر ما كانت لأنه غاصب في الحال التي زادت فيها قيمته فلزمه ضمان قيمته فيها كالحالة التي غصبه فيها وتجب القيمة من نقد البلد الذي تلفت العين فيه لأنه موضع الضمان فوجبت القيمة من نقده وإن كان من جنس الأثمان نظرت فإن لم يكن فيه صنعه كالسبيكة والنقرة فإن كان نقد البلد من غير جنسه أو من جنسه لكن لا تزيد قيمته على وزنه ضمن بالقيمة لأن تضمينه بالقيمة لا يؤدي إلى الربا فضمن بالقيمة كما قلنا في غير الأثمان وإن كان نقد البلد من جنسه وإذا قوم به زادت قيمته على وزنه قوم بجنس آخر حتى لا يؤدي إلى الربا وإن كانت فيه صنعته نظرت فإن كانت صنعة محرمة ضمن كما تضمن السبيكة والنقرة لأن الصنعة لا قيمة لها فكان وجودها كعدمها وإن كانت صنعة مباحة فإن كان النقد من غير جنسه أو من جنسه ولكنه لا تزيد قيمته على وزنه ضمنه بقيمته لأنه لا يؤدي إلى الربا وإن كان النقد من جنسه ونوعه وتزيد قيمته على وزنه ففيه وجهان : أحدهما يقوم بجنس آخر لا يؤدي إلى الربا والثاني أنه يضمنه بقيمته من جنسه بالغة ما بلغت وهو الصحيح لأن الزيادة على الوزن في مقابلة الصنعة فلا تؤدي إلى الربا وإن كان مخلوطا من الذهب والفضة قومه بما شاء منهما .
فصل : وإن كان مما له مثل كالحبوب والأدهان ضمن بالمثل لأن إيجاب المثل رجوع إلى المشاهدة والقطع وإيجاب القيمة رجوع إلى الاجتهاد والظن فإن أمكن الرجوع إلى القطع لم يرجع إلى الاجتهاد كما لا يجوز الرجوع إلى القياس مع النص وإن غصب ما له مثل واتخذ منه ما لا مثل له كالتمر إذا اتخذ منه الخل بالماء أو الحنطة إذا جعلها دقيقا وقلنا إنه لا مثل له ثم تلف لزمه مثل الأصل لأن المثل أقرب إلى المغصوب من القيمة وإن غصب مالا مثل له واتخذ منه ماله مثل كالرطب إذا جعله تمرا ثم تلف لزمه مثل التمر لأن المثل أقرب إليه من قيمة الأصل وإن غصب ماله مثل واتخذ منه ماله مثل كالسمسم إذا عصر منه الشيرج ثم تلف بالمغصوب منه فهو بالخيار إن شاء رجع عليه بمثل السمسم وإن شاء رجع عليه بمثل الدهن لأنه قد ثبت ملكه على كل واحد من المثلين فرجع بما شاء منهما وإن وجب المثل فأعوز فقد اختلف أصحابنا فيه فمنهم من قال تجب قيمته وقت المحاكمة لأن الواجب هو المثل وإنما القيمة تجب بالحكم فاعتبرت وقت الحكم ومنهم من قال تعتبر قيمته أكثر ما كانت من حيث النصب إلى حين تعذر المثل كما تعتبر قيمة المغصوب أكثر ما كانت من حين الغصب إلى حين التلف ومنهم من قال تضمن قيمته أكثر ما كانت من حين الغصب إلى وقت الكم لأن الواجب في الذمة هو المثل إلى وقت الحكم كما أن الواجب في المغصوب رد العين إلى وقت التلف ثم يغرم قيمة الغصوب أكثر ما كانت من حيث الغصب إلى حين التلف فيجب أن يعتبر في المثل أكثر ما كانت قيمته إلى وقت الحكم ومنهم من قال : إن كان ذلك مما يكون في وقت وينقطع في وقت كالعصير وجبت قيمته وقت الانقطاع لأنه بالانقطاع يسقط المثل وتجب القيمة وإن كان مما لا ينقطع عن أيدي الناس وإنما يتعذر في موضع وجبت قيمته وقت الحكم لأنه لا ينتقل إلى القيمة إلا بالحكم وإن وجد المثل بأكثر من ثمن المثل احتمل وجهين : أحدهما لا يلزمه المثل لأن وجود الشيء بأكثر من ثمن المثل كعدمه كما قلنا في الماء في الوضوء والرقبة في الكفارة والثاني يلزمه لأن المثل كالعين ولو احتاج في رد العين إلى أضعاف ثمنه لزمه فكذلك المثل .
فصل : وإن ذهب المغصوب من اليد وتعذر رده بأن كان عبدا فأبق أو بهيمة فضلت كان للمغصوب منه المطالبة بالقيمة لأنه حيل بينه وبين ماله فوجب له البدل كما لو تلف وإذا قبض البدل ملكه لأنه بدل ماله فملكه كبدل التالف ولا يملك الغاصب المغصوب لأنه لا يصح تملكه بالبيع فلا يملك بالتضمن كالتالف فإن رجع المغصوب وجب رده على المالك وهل يلزم الغاصب الأجرة من حين دفع القيمة إلى أن يرده فيه وجهان : أحدهما لا تلزمه لأن المغصوب منه ملك بدل العين فلا يستحق أجرته والثاني تلزمه لأنه تلفت عليه منافع ماله بسبب كان في يد الغاصب فلزمه ضمانها كما لو لم يدفع القيمة وإذا رد المغصوب وجب على المغصوب منه رد البدل لأنه ملكه بالحيلولة وقد زالت الحيلولة فوجب الرد وإن زاد البدل في يده نظرت فإن كانت الزيادة متصلة كالسمن وجب الرد مع الزيادة لأن الزيادة المتصلة تتبع الأصل في الفسخ بالعيب وهذا فسخ وإن كانت زيادة منفصلة كالولد واللبن لم ترد الزيادة كما لا ترد في الفسخ بالعيب .
فصل : فإن نقص المغصوب نقصانا تنقص به القيمة نظرت فإن كان في غير الرقيق لم يخل إما أن يكون نقصانا مستقرا أو غير مستقر فإن كان مستقرا بأن كان ثوبا فتخرق أو إناء فانكسر أو شاة فذبحت أو طعاما فطحن ونقصت قيمته رده ورد معه أرش ما نقص لأن نقصان عين في يد الغاصب نقصت به القيمة فوجب ضمانه كالقفيز من الطعام والذراع من الثوب فإن ترك المغصوب منه المغصوب على الغاصب وطالبه ببدله لم يكن له ذلك ومن أصحابنا من قال في الطعام إذا طحنه أن له أن يتركه ويطالب بمثل طعامه لأن مثله أقرب إلى حقه من الدقيق والمذهب الأول لأن عين ماله باقية فلا يملك المطالبة ببدله كالثوب إذا تخرق والشاة إذا ذبحت وإن كان نقصانا غير مستقر كطعام ابتل وخيف عليه الفساد فقد قال في الأم : للمغصوب منه مثل مكيلته وقال الربيع : فيه قول آخر أن يأخذه وأرش النقص فمن أصحابنا من قال هو على قولين : أحدهما يأخذه وأرش النقص كالثوب إذا تخرق والثاني أنه ياخذ مثل مكيلته لأنه يتزايد فساده إلى أن يتلف فصار كالمستهلك ومنهم من قال يأخذ مثل مكيلته قولا واحدا ولا يثبت ما قاله الربيع وإن كان في الرقيق نظرت فإن لم يكن له أرش مقدر كإذهاب البكارة والجنايات التي ليس لها أرش مقدر رده وأرش ما نقص لأنه نقصان ليس فيه أرض مقدر فضمن بما نقص كالثوب إذا تخرق وإن كان له أرش مقدر كذهاب اليد نظرت فإن كان ذهب من غير جناية رده وما نقص من قيمته ومن أصحابنا من قال : يرده وما يجب بالجناية والمذهب الأول لأن ضمان اليد ضمان المال ولهذا لا يجب فيه القصاص ولا تتعلق به الكفارة في النفس فلم يجب فيه أرض مدر وإن ذهب بجناية بأن عصبه ثم قطع يده فإن قلنا إن ضمانه باليد كضمانه بالجناية وجب عليه نصف القيمة وقت الجناية لأن اليد في الجناية تضمن بنصف بدل النفس وإن قلنا إن ضمانه ضمان المال وجب عليه أكثر الأمرين من نصف القيمة أو ما نقص من قيمته لأنه وجد اليد والجناية فوجب أكثرهما ضمانا وإن عصب عبدا يساوي مائة ثم زادت قيمته فأصبح يساوي ألفا ثم قطع يده لزمه خمسمائة لأن زيادة السوق مع تلف العين مضمونة ويد العبد كنصفه فكأنه بقطع اليد فوت عليه نصفه فضمنه بزيادة السوق .
فصل : وإن نقصت العين ولم تنقص القيمة نظرت فإن كان ما نقص من العين له بدل مقدر فنقص ولم تنقص القيمة مثل أن غصب عبدا فقطع أنثييه ولم تنقص قيمته أو غصب صاعا من زيت فأغلاه فنقص نصفه ولم تنقص قيمته لزمه في الأنثيين قيمة العبد وفي الزيت نصف صاع لأن الواجب في الأنثيين مقدر بالقيمة والواجب في الزيت مقدر بما نقص من الكيل فلزمه ما يقدر به وإن كان مانقص لا يضمن إلا بما نقص من القيمة فنقص ولم تنقص القيمة كالسمن المفرط إذا نقص ولم تنقص القيمة لم يلزمه شيء لأن السمن يضمن بما نقص من القيمة ولم ينقص من القيمة شيء فلم يلزمه شيء واختلف أصحابنا فيمن عصب صاعا من عصير فأغلاه ونقص نصفه ولم تنقص قيمته فقال أبو علي الطبري : يلزمه نصف صاع كما قلنا في الزيت وقال أبو العباس لا يلزمه شيء لأن نقص العصير باستهلاك مائه ورطوبته لا قيمة لها وأما حلاوته فيه باقية لم تنقص ونقصان الزيت باستهلاك أجزائه ولأجزائه قيمة فضمنها بمثلها .
فصل : وإن تلف بعض العين ونقصت قيمة الباقي بأن غصب ثوبا تنقص قيمته بالقطع فشقه بنصفين ثم تلف أحد النصفين لزمه قيمة التالف وهو قيمة نصف الثوب أكثر ما كانت من حين الغصب إلى حين التلف ورد الباقي وأرش ما نقص لأنه نقص حدث بسبب تعدي به فضمنه فإن كان لرجل خفان قيمتهما عشرة فأتلف رجل أحدهما فصار قيمة الباقي درهمين ففيه وجهان : أحدهما يلزمه درهمان لأن الذي أتلفه قيمته درهمان والثاني تلزمه ثمانية وهو المذهب لأنه ضمن أحدهما بالإتلاف ونقص قيمة الآخر بسبب التعدي به فلزمه ضمانه .
فصل : فإن غصب ثوبا فلبسه وأبلاه ففيه وجهان : أحدهما يلزمه أكثر الأمرين من الأجرة أو أرش ما نقص لأن ما نقص من الأجزاء في مقابلة الأجرة ولهذا لا يضمن المستأجر أرض الأجزاء والثاني تلزمه الأجرة وأرش ما نقص لأن الأجرة بدل للمنافع والأرش بدل الأجزاء فلم يدخل أحدهما في الآخر كالأجرة وأرش ما نقص من السمن .
فصل : وأن نقصت العين ثم زال النقص بأن كانت جارية سمينة فهزلت ونقصت قيمتها ثم سمنت وعادت قيمتها ففيه وجهان : أحدهما يسقط عنه الضمان وهو قول أبي علي ابن أبي هريرة لأنه زال ما أوجب الضمان كما لو جنى على عين فابيضت ثم زال البياض والثاني أنه لا يسقط وهو قول أبي سعيد الاصطخري لأن السمن الثاني غير الأول فلا يسقط به ما وجب بالأول وإن سمنت ثم هزلت ثم سمنت ثم هزلت ضمن أكثر السمنين قيمة في قول أبي علي ابن أبي هريرة لأنه بعود السمن يسقط ما في مقابلته من الأرش ويضمن السمنين في قول أبي سعيد لأن السمن الثاني غير الأول فلزمه ضمانهما .
فصل : وإن غصب عبدا فجنى على إنسان في يد الغاصب لزم الغاصب ما يستوفي في جنايته فإن كانت الجناية على النفس فأقيد به ضمن الغاصب قيمته لأنه تلف بسبب كان في يده فإن كان في الطرف فأقيد منه ضمن و في الذي يضمن وجهان : أحدهما أرش العضو في الجناية والثاني ما نقص من قيمته لأنه ضمان وجب باليد لا الجناية لأن القطع في القصاص ليس بجناية وقد بينا الوجهين فيما تقدم فإن عفى عن القصاص على مال لزم الغاصب أي يفديه لأنه حق تعلق برقبته في يده فلزم تخليصه منه .
فصل : وإذا زاد المغصوب في يد الغاصب بأن كانت شجرة فأثمرت أو جارية فسمنت أو ولدت ولدا مملوكا ثم تلف ضمن ذلك كله لأنه مال للمغصوب منه حصل في يده بالغصب فضمنه بالتلف كالعين المغصوبة وإن ألقت الجارية الولد ميتا ففيه وجهان : أحدهما أنه يضمنه بقيمته يوم الوضع كما لو كان حيا وهو ظاهر النص لأنه غصبه بغصب الأم فضمنه بالتلف كالأم والثاني أنه لا يضمنه وهو قول أبي إسحاق لأنه إنما يقوم حال الحيلولة بينه وبين المالك وهو حال الوضع ولا قيمة له في تلك الحال فلم يضمن وحمل النص عليه إذا ألقته حيا ثم مات .
فصل : وإن غصب دراهم فاشترى سلعة في الذمة ونقد الدراهم في ثمنها وربح ففي الربح قولان : قال في القديم هو للمغصوب منه لأنه نماء ملكه فصار كالثمرة والولد فعلى هذا يضمنه الغاصب إذا تلف في يده كالثمرة والولد وقال في الجديد هو للغاصب لأنه بدل ماله فكان له .
فصل : وإن غصب عبدا فاصطاد صيدا فالصيد لمولاه لأن يد العبد كيد المولى فكان صيده كصيده وهل تلزم الغاصب أجرة العبد للمدة التي اصطاد فيها ؟ فيه وجهان : أحدهما تلزمه لأنه أتلف عليه منافعه والثاني لا تلزمه لأن منافعه صارت إلى المولى وإن غصب جارية كالفهد والبازي فاصطاد بها صيدا ففي صيده وجهان : أحدهما أنه للغاصب لأنه هو المرسل والجارحة آلة فكان الصيد كما لو غصب قوسا فاصطاد بها وعليه أجرة الجارحة لأنه أتلف على صاحبها منافعها والثاني أن الصيد للمغصوب منه لأنه كسب ماله فكان له كصيد العبد فعلى هذا في أجرته وجهان على ما ذكرناه في العبد .
فصل : وإن غصب عينا فاستحالت عنده بأن كان بيضا فصار فرخا أو كان حبا فصار زرعا أو كان زرعا فصار حبا فللمغصوب منه أن يرجع به لأنه عين ماله فإن نقصت قيمته بالاستحالة رجع بأرش النقص لأنه حدث في يده وإن غصب عصيرا فصار خمرا ضمن العصير بمثله لأنه بانقلابه خمرا سقطت قيمته فصار كما لو غصب حيوانا فمات فإن صار الخمر خلا رده وهل يلزمه ضمان العصير مع رد الخل ؟ فيه وجهان : أحدهما يلزمه لأن الخل غير العصير فلا يسقط برد الخل ضمان ما وجب بهلاك العصير والثاني لا يلزمه لأن الخل عين العصير فلا يلزمه مع ردها ضمان العصير فعلى هذا إن كانت قيمة الخل دون قيمة العصير رد مع الخل أرش النقص .
فصل : وإن غصب شيئا فعمل فيه عملا زادت به قيمته بأن كان ثوبا فقصره أو قطنا فغزله أو غزلا فنسجه أو ذهبا فصاغه حليا أو خشبا فعمل منه بابا رده على المالك لأنه عين ماله ولا يشارك الغاصب فيه ببدل عمله لأنه عمل تبرع به في ملك غيره فلم يشاركه ببدله .
فصل : وإن غصب شيئا فخلطه بما لا يتميز منه من جنسه بأن غصب صاعا من زيت فخلطه بصاع من زيته أو صاعا من الطعام فخلطه بصاع من طعامه نظرت فإن خلطه بمثله في القيمة فله أن يدفع إليه صاعا منه لأنه تعذر بالاختلاط عين ماله فجاز أن يدفع إليه البعض من مثله وإن أراد أن يدفع إليه مثله من غيره وطلب المغصوب منه مثله منه ففيه وجهان : أحدهما وهو المنصوص أن الخيار إلى الغصب لأنه لا يقدر على رد عين ماله فجاز أن يدفع إليه مثله كما لو هلك والثاني وهو قول أبي إسحاق و أبي علي ابن أبي هريرة أنه يلزمه أن يدفع صاعا منه لأنه يقدر أن يدفع إليه بعض ماله فلا ينتقل إلى البدل في الجميع ما لو غصب صاعا فتلف بعضه وإن خلطه بأجود منه فإن بذل الغاضب صاعا منه لزم المغصوب منه قبوله لأنه دفع إليه بعض ماله وبعض مثله خيرا منه وإن بذل مثله من غيره وطلب المغصوب منه صاعا منه ففيه وجهان : أحدهما وهو المنصوص في الغصب أن الخيار إلى الغاصب لأنه تعذر رد المغصوب بالاختلاط فقبل منه المثل والثاني أنه يباع الجميع ويقسم الثمن بينهما على قدر قيمتهما وهو المنصوص في التفليس لأنا إذا فعلنا ذلك أوصلنا كل واحد منهما إلى عين ماله وإذا أمكن الرجوع إلى عين المال لم يلزم الرجوع إلى البدل فإن كان ما يخص المغصوب منه من الثمن أقل من قيمة ماله استوفى قيمة صاعه ودخل النقص على الغاصب لأنه نقص بفعله فلزمه ضمانه وعلى هذا الوجه إن طلب المغصوب منه أن يدفع إليه من الزيت المختلط بقدر قيمة ماله ففيه وجهان : أحدهما لا يجوز وهو قول أبي إسحاق لأنه يأخذ بعض صاع عن صاع وذلك ربا والثاني أنه يجوز لأن الربا إنما يكون في البيع وليس ههنا بيع وإنما يأخذ هو بعض حقه ويترك بعضه كرجل له على رجل درهم فأخذ بعضه وترك البعض .
فصل : وإن خلطه بما دونه فإن طلب المغصوب منه صاعا وامتنع الغاصب أجبر على الدفع لأنه رضي بأخذ حقه ناقصا وإن طلب مثله من غيره وامتنع الغاصب أجبر على دفع مثله لأن المخلوط دون حقه فلا يلزمه أخذه من أصحابنا من قال يباع الجميع ويقسم الثمن بينهما على قدر قيمتهما ليصل كل واحد منهما إلى عين ماله وإن نقص ما يخصه من الثمن عن قيمته ضمن الغاصب تمام القيمة لأنه نقص بفعله .
فصل : وإن غصب شيئا فخلطه بغير جنسه أو نوعه فإن أمكن تمييزه كالحنطة إذا اختلطت بالشعير أو الحنطة البيضاء إذا اختلطت بالحنطة السمراء لزمه تمييزه ورده لأنه يمكن رد العين فلزمه وإن لم يمكن تمييزه كالزيت إذا خلطه بالشيرج لزمه صاع من مثله لأنه تعذر رد العين بالاختلاط فعدل إلى مثله من أصحابنا من قال يباع الجميع ويقسم الثمن بينهما على قدر قيمتهما ليصل كل واحد منهما إلى عين ماله كما قلنا في القسم قبله .
فصل : وإن غصب دقيقا فخلطه بدقيق له ففيه وجهان : أحدهما أن الدقيق له مثل وهو قول أبي العباس وظاهر النص لأن تفاوته في النعومة والخشونة ليس بأكثر من تفاوت الحنطة في صغر الحب وكبره فعلى هذا يكون حكمه حكم الحنطة إذا خلطها بالحنطة وقد بيناه والثاني أنه لا مثل له وهو قول أبي إسحاق لأنه يتفاوت في الخشونة والنعومة ولهذا لا يجوز بيع بعضه ببعض فعلى هذا اختلف أصحابنا فيما يلزمه قيمته لأنه تعذر رده بالاختلاط ولا مثل له فوجبت القيمة ومنهم من قال يصيران شريكين فيه فيباع ويقسم الثمن بينهما على ما ذكرناه في الزيت إذا خلطه بالشيرج .
فصل : وإن غصب أرضا فغرس بها غراسا أو بنى فيها بناء فدعا صاحب الأرض إلى قلع الغراس ونقض البناء لزمه ذلك لما روى سعيد بن زيد أن النبي ( ص ) قال : [ ليس لعرق ظالم حق ] فإن قلعه فقد قال في الغصب يلزمه أرش ما نقص من الأرض وقال في البيع إذا قلع الأحجار المستودعة عليه تسوية الأرض ومن أصحابنا من جعلهما على قولين : أحدهما يلزمه أرش النقص لأنه نقص بفعل مضمون فلزمه أرش والثاني يلزمه تسوية الأرض لأن جبران النقص بالمثل أولى من جبرانه بالقيمة ومنهم من قال يلزمه في الغصب أرش من نقص وفي البيع يلزمه تسوية الأرض لأن الغاصب متعد فغلظ عليه بالأرش لأنه أوفي والبائع غير متعد فلم يلزمه أكثر من التسوية وإن كان الغراس لصاحب الأرض فطالبه بالقلع فإن كان له غرض في قلعه أخذ بقلعه لأنه قد فوت عليه بالغراس غرضا مقصودا في الأرض فأخذ بإعادتها إلى ما كانت وإن لم يكن له غرض ففيه وجهان : أحدهما لا يؤخذ بقلعه لأن قلعه من غير غرض سفه وعبث والثاني يؤخذ به لأن المالك محكم في ملكه والغاصب غير محكم فوجب أن يؤخذ به .
فصل : وإن غصب أرضا حفر بها بئرا فطالبه صاحب الأرض بطمها لزمه طمها لأن التراب ملكه وقد نقله من موضعه فلزمه رده إلى موضعه فإن أراد الغاصب طمها فامتنع صاحب الأرض أجبر وقال المزني لا يجبر كما لو غضب غزلا ونسجه لم يجبر المالك على نقضه وهذا غير صحيح لأن له غرضا في طمها وهو أن يسقط عنه ضمان من يقع فيها بخلاف نقض الغزل المنسوج فإن أبرأه صاحب الأرض من ضمان يقع فيها ففيه وجهان : أحدهما يصح الابراء لأنه لما سقط الضمان عنه إذا أذن في حفرها سقط عنه إذا أبرأه منها والثاني أنه لا يصح لأن الإبراء إنما يكون من واجب ولم يجب بعد شيء فلم يصح الإبراء .
فصل : إذا غصب ثوبا فصبغه بصبغ من عنده نظرت فإن لم تزد قيمة الثوب والصبغ ولم تنقص بأن كانت قيمة الثوب عشرة وقيمة الصبغ عشر فصارت قيمة الثوب مصبوغا عشرين صار شريكا لصاحب الثوب بالصبغ لأن الصبغ عين مال له قيمة فإن بيع الثوب كان الثمن بينهما نصفين فإن زادت قيمتهما بأن صارت قيمة الثوب ثلاثين حدث الزيادة في ملكهما لأنه بفعله زاد ماله ومال غيره وما زاد في ماله يملكه لأنه حصل بعمل عمله بنفسه في ماله فإن بيع الثوب قسم الثمن بينهما نصفين وإن نقص قيمتهما بأن صار الثوب يساوي خمسة عشر حسب النقصان على الغاصب في صبغه لأنه بفعله حصل النقص فإن بيع الثوب بخمسة عشر دفع إلى صاحب الثوب عشرة وإلى الغاصب خمسة فإن صارت قيمة الثوب عشرة حسب النقص على الغاصب فإن بيع الثوب بعشرة دفع العشرة كلها إلى صاحب الثوب لأنه إما أن يكون سقط بدل الصبغ بالاستهلاك أو نقص به قيمة الثوب فلزمه أن يجبر ما نقص من قيمة الثوب فإن صارت قيمة الثوب ثمانية لم يستحق بصبغه شيئا لأنه استهلكه في الثوب ويلزمه درهمان لأنه نقص بصبغه من قيمة الثوب درهمان .
فصل : إذا استهلك ثمن الصبغ لم يبق للغاصب في الثوب حق لأن ماله هو الصبغ وقد استهلكه وإن بقي للصبغ ثمن فطلب الغاصب استخراجه أجيز إلى ذلك عين ماله فكان له أخذه كما لو غرس في أرض مغصوبة غراسا ثم أراد قلعه فإن نقصت قيمة الثوب باستخراج النقص ضمن ما نقص لأنه حصل بسبب من جهته وإن طلب صاحب الثوب استخراج الصبغ وامتنع الغاصب ففيه وجهان : أحدهما لا يجبر وهو قول أبي العباس لأن الصبغ يهلك بالاستخراج ولاحاجة به إلى ذلك لأنه يمكنه أن يستوفي حقه في البيع ولا يجوز أن يتلف مال الغير والثاني يجبر وهو قول أبي إسحاق و أبي علي بن خيران لأنه عرق ظالم لا حق له فيه فأجبر على قلعه كالغراس في الأرض المغصوبة وإن بذل المغصوب منه قيمة الصبغ ليتملكه وامتنع الغاصب لم يجبر على القبول لأنه إجبار على بيع ماله وإن أراد صاحب الثوب بيع وامتنع الغاصب بيع لأنه ملك له فلا يملك الغاصب أن يمنعه من بيعه بتعديه وإن أراد الغاصب البيع وامتنع صاحب الثوب ففيه وجهان : أحدهما يجبر ليصل الغاصب إلى ثمن صبغه كما يجبر الغاصب على البيع ليصل رب الثوب إلى ثمن ثوبه والثاني لا يجبر لأنه متعد فلم يستحق بتعديه إزالة ملك رب الثوب عن ثوبه وإن وهب الغاصب الصبغ من صاحب الثوب ففيه وجهان : أحدهما يجبر على قبوله لأنه لا يتميز من العين فلزمه قبوله كقصارة الثوب والثاني لا يجبر لأنه هبة عين فلا يجبر على قبولها .
فصل : فإن غصب ساجا فأدخله في البناء أو خيطا أخاط به شيئا نظرت فإن عفن التاج وبلي الخيط لم يؤخذ برده لأنه صار مستهلكا فسقط رده ووجبت قيمته وإن كان باقيا على جهته نظرت فإن كان الساج في البناء والخيط في الثوب وجب نزعه ورده لأنه مغصوب يمكن رده فوجب رده كما لو لم يبن عليه ولم يخط به وإن غصب خيطا فخاط به جرح حيوان فإن كان مباح الدم كالمرتد والخنزير والكلب العقور وجب نزعه ورده لأنه لا حرمة له فكان كالثوب وإن كان محرم الدم فإن كان مما لا يؤكل كالآدمي والبغل والحمار وخاف من نزعه الهلاك لم ينزع لأن حرمة الحيوان آكد من حرمة المال ولهذا يجوز أخذ مال الغير بغير إذنه لحفظ الحيوان ولا يجوز أخذه لحفظ المال فلا يجوز هتك حرمة الحيوان لحفظ المال وإن كان مما يؤكل ففيه قولان : أحدهما يجب رده لأنه يمكن نزعه بسبب مباح فوجب رده كالساج والثاني لا يجب لأن النبي ( ص ) نهى عن ذبح الحيوان لغير مأكلة .
فصل : وإن غصب لوحا وأدخله في سفينة وخاف من نزعه الغرق فإن كان فيها حيوان لم ينزع لما ذكرناه في الخيط وإن كان المال لغاصب ففيه وجهان : أحدهما ينزع كما تنقض الدار لرد الساج والثاني لا ينزع لأنه يمكن رده من غير إتلاف المال بأن تجر إلى الشط بخلاف التاج في البناء وعلى هذا إن أراد المالك أن يطالب بالقيمة كان له ذلك لأنه حيل بينه وبين ماله فجاز له المطالبة بالبدل كما لوغصب منه عبدا فأبق وإن اختلطت السفينة التي فيها اللوح بسفن للغاصب ففيه وجهان : أحدهما ينقض الجميع كما ينقض جميع السفينة والثاني لا ينقض ما لم تتعين لأنه إتلاف مال لم يتعين فيه التعدي .
فصل : وإن غصب جوهرة فبلعتها بهيمة له فإن كانت البهيمة مما لا تؤكل ضمن قيمة الجوهرة لأنه تعذر ردها فضمن البدل وإن كانت مما تؤكل ففيه وجهان بناء على القولين في الخيط الذي خيط به جرح ما يؤكل .
فصل : وإن غصب فصيلا فأدخله إلى داره فكبر ولم يخرج من الباب نقض الباب لرد الفصيل كما ينقض البناء لرد الساج وإن دخل الفصيل إلى داره من غير تفريط منه نقض الباب وعلى صاحب الفصيل ضمان ما يصلح به الباب لأنه نقض لتخليص ماله من غير تفريط من صاحب الباب .
فصل : وإن غصب دينارا وطرحه في محبرة كسرت المحبرة ورد الدينار كما ينقص البناء لرد الساج وإن وقع في المحبرة من غير تفريط من صاحبها كسرت وعلى صاحب الدينار قيمة المحبرة لأنها كسرت لتخليص ماله من غير تفريط من صاحب المحبرة .
فصل : وإن غصب عينا وباعها وقبضها المشتري وتصرف فيها وتلفت عنده فللمالك أن يضمن الغاصب لأنه غصبها وله أن يضمن المشتري لأنه قبض ما يمكن له قبضه فصار كالغاصب فإن ضمن الغاصب العين ضمنه قيمته أكثر ما كانت قيمته من حين الغصب إلى أن تلف في يد المشتري لأنه من حين الغصب إلى حين التلف في ضمانه وإن ضمن المشتري ضمنه أكثر ما كانت قيمته من حين قبض إلى أن تلف لأنه لم يدخل في ضمانه قبل القبض فلا يضمن ما قبله فإن بدأ فضمن المشتري نظرت فإن كان عالما بالغصب لم يرجع بما ضمنه على الغاصب لأنه غاصب تلف المغصوب عنده فاستقر الضمان عليه كالغاصب من المالك إذا تلف عنده فإن لم يعلم نظرت فيما ضمن فإن التزم ضمانه بالعقد كبدل العين وما نقص منها لم يرجع به على الغاصب لأن الغاصب لم يغره بل دخل معه على أن يضمنه وإن لم يتلزم ضمانه بالعقد نظرت فغن لم يحصل له في مقابلته منفعة كقيمة الولد نقصان الجارية بالولادة رجع على الغاصب لأنه غره ودخل معه على أن لا يضمنه وإن حصلت له في مقابلته منفعة كالأجرة والمهر وأرش البكارة ففيه قولان : أحدهما يرجع به لأنه غره ولم يدخل معه على أن يضمنه والثاني لا يرجع به لأنه حصل له في مقابلته منفعة وإن بدأ فضمن الغاصب فما لا يرجع به المشتري على الغاصب إذا غرم رجع به الغاصب على المشتري وما يرجع به المشتري على الغاصب لايرجع به لأنه لا فائدة في أن يرجع عليه ثم يرجع المشتري به عليه .
فصل : وإن غصب من رجل طعاما فأطعمه رجلا فللمالك أن يضمن الغاصب لأنه غصبه وله أن يضمن الآكل لأنه أكل ما لم يكن له أكله فإن صمن الآكل نظرت فإن علم أنه مغصوب فأكله لم يرجع على الغاصب بما ضمن لأنه غاصب استهلك المغصوب فلم يرجع بما ضمنه فإن أكل ولم يعلم أنه مغصوب ففيه قولان : أحدهما يرجع لأنه غره وأطعمه على أن لا يضمنه والثاني لا يرجع لأنه حصل له منفعة فإن أطعمه المالك فإن علم أنه له برئ الغاصب من الضمان لأنه استهلك ماله برضاه مع العلم به وإن لم يعلم ففيه قولان : أحدهما يبرأ الغاصب لأنه عاد إلى يده فبرئ الغاصب من الضمان كما أورده عليه والثاني أنه لا يبرأ لأنه إنما ضمن لأنه أزال يده وسلطانه عن المال وبالتقديم إليه ليأكله لم تعد يده وسلطانه لأنه لو أراد أن يأخذه لم يمكنه فلم يزل الضمان .
فصل : وإن غصب من رجل شيئا ثم رهنه عنده أو أودعه أو آجره منه وتلف عنده فإن علم أنه له برئ الغاصب من ضمانه لأنه أعاده إلى يده وسلطانه وإن لم يعلم ففيه وجهان : أحدهما أنه يبرأ الغاصب من الضمان لأنه عاد إلى يده والثاني لا يبرأ لأنه لم يعد إلى سلطانه وإنما عاد إليه على أنه أمانة عنده وإن باعه منه برئ من الضمان علم أو لم يعلم لأنه قبضه بابتياع وجب الضمان فبرئ به الغاصب من الضمان .
فصل : وإن غصب شيئا فرهنه المالك عند الغاصب لم يبرأ الغاصب وقال المزني يبرأ لأنه أذن له في إمساكه فبرئ من الضمان كما لو أودعه والمذهب الأول لأن الرهن يجتمع مع الضمان وهو إذا رهنه شيئا فتعدى فيه فلا ينافي الضمان .
فصل : وإن غصب حرا وحبسه ومات عنده لم يضمنه لأنه ليس بمال فلم يضمنه باليد وإن حبسه مدة لمثلها أجرة فإن استوفى فيها منفعته لزمته الأجرة لأنه أتلف عليه ما يتقوم فلزمه الضمان كما لو أتلف عليه ماله أو قطع أطرافه وإن لم يستوف منفعته ففيه وجهان : أحدهما تلزمه الأجرة لأن منفعته تضمن بالإجارة فضمنت بالغصب كمنفعة المال والثاني لا تلزمه لأنها تلفت تحت يده فلا يضمنه الغاصب بالغصب كأطرافه وثياب بدنه .
فصل : وإن غصب كلبا فيه منفعة رده على صاحبه لأنه يجوز اقتناؤه للانتفاع به فلزمه رده فإن حبسه مدة لمثلها أجرة فهل تلزمه الأجرة ؟ فيه وجهان بناء على الوجهين في جواز إجارته .
فصل : وإن غصب خمرا نظرت فإن غصبها في ذمي لزمه ردها عليه لأنه يقر على شربها فلزمه ردها عليه وإن غصبها من مسلم ففيه وجهان : أحدهما يلزمه ردها عليه لأنه يجوز أن يطفئ بها نارا أو يبل بها طينا فوجب ردها عليه والثاني لا يلزمه وهو الصحيح لما روي أن أبا طلحة Bه سأل رسول الله ( ص ) عن أيتام ورثوا خمرا فأمره رسول الله ( ص ) أن يهرقها فإن أتلفها أو تلفت عنده لم يلزمه ضمانها لما روى ابن عباس Bه أن النبي ( ص ) قال [ إن الله تعالى إذا حرم شيئا حرم ثمنه ] ولأن ما حرم الانتفاع به لم يضمن ببدل كالميتة والدم فإن صار خلا لزمه رده على صاحبه لأنه صار خلا على حكم ملكه فلزمه رده إليه فإن تلف ضمنه لأنه مال للمغصوب منه تلف في يد الغاصب فضمنه .
فصل : وإن غصب جلد ميتة لزمه رده لأن له أن يتوصل إلى تطهيره بالدباغ فوجب رده عليه فإن دبغه الغاصب ففيه وجهان : أحدهما يلزمه رده كالخمر إذا صار خلا والثاني لا يلزمه لأنه بفعله صار مالا فلم يلزمه رده .
فصل : وإن فصل صليبا أو مزمارا لم يلزمه شيء لأن ما أزاله لا قيمة له والدليل عليه ما روى جابر Bه قال : قال رسول الله ( ص ) يوم فتح مكة : [ إن الله تعالى حرم بيع الخمر وبيع الخنازير وبيع الأصنام وبيع الميتة ] فدل على أنه لا قيمة له وما لا قيمة له لا يضمن فإن كسره نظرت فإن كان إذا فصله يصلح لمنفعة مباحة وإذا كسره لم يصلح لزمه ما بين قيمته مفصلا ومكسورا لأنه أتلف بالكسر ما له قيمة فلزمه ضمانه فإن كان لا يصلح لمنفعة مباحة لم يلزمه شيء لأنه لم يتلف ماله قيمة .
فصل : وإن فتح قفصا عن طائر نظرت فإن نفره حتى طار ضمنه لأن تنفير الطائر بسبب ملجيء إلى ذهابه فصار كما لو باشر إتلافه وإن لم ينفره نظرت فإن وقف ثم طار لم يضمنه لأنه وجد منه سبب غير ملجئ ووجد من الطائر مباشرة والسبب إذا لم يكن ملجئا واجتمع مع المباشرة سقط حكمه كما لو حفر بئرا فوقع فيها إنسان باختياره فإن طار عقيب الفتح ففيه قولان : أحدهما لا يضمن لأنه طار باختياره فأشبه إذا وقف بعد الفتح ثم طار والثاني يضمن لأن من طبع الطائر النفور ممن قرب منه فإذا طار عقيب الفتح كان طيرانه بنفوره فصار كما لو نفره .
فصل : وإن وقع طائر لغيره على جدار فرماه بحجر فطار لم يضمنه لأن رميه لم يكن سببا لفواته لأنه قد كان ممتنعا وفائتا من قبل أن يرميه فإن طار في هواء داره فرماه فأتلفه ضمنه لأنه لا يملك منع الطائر من هواء داره فصار كما لو رماه في غير داره .
فصل : وإن فتح زقا فيه مائع فخرج ما فيه نظرت فإن خرج في الحال ضمنه لأنه كان محفوظا بالوكاء فتلف بحله فضمنه وإن خرج منه شيء فابتل أسفله أو ثقل به أحد جانبيه فسقط وذهب ما فيه ضمنه لأنه ذهب بعضه بفعله وبعضه بسبب فعله فضمنه كما لو قطع يد رجل فمات منه وإن فتحه ولم يخرج منه شيء ثم هبت ريح فسقط وذهب ما فيه لم يضمن لأن ذهابه لم يكن بفعله فلم يضمنه كما لو فتح قفصا عن طائر فوقف ثم طار أو نقب حرزا فسرق منه غيره وإن فتح زقا فيه جامد فذاب وخرج فيه وجهان : أحدهما لا يضمنه لأنه لم يخرج عقيب الحل فصار كما لو كان مائعا فهبت عليه ريح فسقط والثاني أنه يضمن وهو الصحيح لأن الشمس لا توجب للخروج وإنما تذيبه والخروج بسبب فعله فضمنه كالمائع إذا خرج عقيب الفتح وإن حل زقا فيه جامد وقرب إليه آخر نارا فذاب وخرج فقد قال بعض أصحابنا لا ضمان على واحد منهما لأن الذي حل الوكاء لم توجد منه عند فعله جناية يضمن بها وصاحب النار لم يباشر ما يضمن فصارا كسارقين نقب أحدهما الحرز وأخرج الآخر المال فإنه لا قطع على واحد منهما وعندي أنه يجب الضمان على صاحب النار لأنه باشر الإتلاف بإدناء النار فصار كما لو حفر رجل بئرا ودفع فيها آخر إنسانا وأما السارق فهو حجة عليه لأنا أوجبنا الضمان على من أخرج المال فيجب أن يجب الضمان ههنا على صاحب النار وأما القطع فلا يجب عليهما لأنه لا يجب القطع إلا بهتك الحرز و الذي أخذ المال لم يهتك الحرز و الضمان يجب بمجرد الإتلاف وصاحب النار قد أتلف فلزمه الضمان .
فصل : وإن فتح زقا مستعلي الرأس فاندفع ما فيه فخرج فجاء آخر فنكسه حتى تعجل خروج ما فيه ففيه وجهان : أحدهما يشتركان في ضمان ما خرج بعد التنكيس كالجارحين والثاني أن ما خرج بعد التنكيس يجب على الثاني كالجارح والذابح .
فصل : وإن حل رباط سفينة فغرقت نظرت فإن غرقت في الحال ضمن لأنها تلفت بفعلهن وإن وقفت ثم غرقت فإن كان بسبب حادث كريح هبت لم يضمن لأنها غرقت بغير فعله وإن غرقت بغير سبب حادث ففيه وجهان : أحدهما لا يضمن كالزق إذا ثبت بعد فتحه ثم سقط والثاني أنه يضمن لأن الماء أحد المتلفات .
فصل : إذا أجج على سطجه نارا فطارت شرارة إلى دار الجار فأحرقتها أو سقى أرضه فنزل الماء إلى أرض جاره فغرقها فإن كان الذي فعله ما جرت به العادة لم يضمن لأنه غير متعد وإن فعل ما لم تجر به العادة بأن أجج من النار ما لا يقف على حد داره أو سقى أرضه من الماء ما لا تحتمله ضمن لأنه متعد .
فصل : إذا ألقت الريح ثوبا لإنسان في داره لزمه حفظه لأنه أمانة حصلت تحت يده فلزمه حفظها كاللقطة فإن عرف صاحبه لزمه إعلامه فإن لم يفعل ضمنه لأنه أمسك مال غيره بغير رضاه من غير تعريف فصار كالغاصب وإن وقع في داره طائر لم يلزمه حفظه ولا إعلام صاحبه لأنه محفوظ بنفسه فإن دخل إلى برج في داره طائر فأغلق عليه الباب نظرت فإن نوى إمساكه على نفسه ضمنه لأنه أمسك مال غيره فضمنه كالغاصب وإن لم ينو إمساكه على نفسه لم يضمنه لأنه يملك التصرف في برجه فلا يضمن ما فيه .
فصل : إذا اختلف الغاصب والمغصوب منه في تلف المغصوب فقال المغصوب منه هو باق وقال الغاصب تلف فالقول قول مع يمينه لأنه يتعذر إقامة البينة على التلف وهل يلزمه البدل ؟ فيه وجهان : أحدهما لا يلزمه لأن المغصوب منه لا يدعيه والثاني يلزمه لأنه بيمينه تعذر الرجوع إلى العين فاستحق البدل كما لو غضب عبدا فأبق .
فصل : وإن تلف المغصوب واختلفا في قيمته فقال الغاصب قيمته عشرة وقال المغصوب منه قيمته عشرون فالقول قول الغاصب لأن الأصل براءة ذمته فلا يلزمه إلا ما أقر به كما لو ادعى عليه دينا من غير غصب فأقر ببعضه .
فصل : و إن اختلفا في صفته فقال الغاصب كان سارقا فقيمته مائة وقال المغصوب منه لم يكن سارقا فقيمته ألف فالقول قول المغصوب منه لأن الأصل عدم السرقة ومن أصحابنا من قال : القول قول الغاصب لأنه غارم والأصل براءة ذمته مما زاد على المائة فإن قال المغصوب منه كان كاتبا فقيمته ألف وقال الغاصب لم يكن كاتبا فقيمته مائة فالقول قول الغاصب لأن الأصل عدم الكتابة وبراءة الذمة مما زاد على المائة فإن قال المغصوب منه غصبتني طعاما حديثا وقال الغاصب بل غصبتك طعاما عتيقا فالقول قول الغاصب لأن الأصل أنه لا يلزمه الحديث فإذا حلف للمغصوب منه أن يأخذ العتيق لأنه أنقص من حقه .
فصل : وإن غصبه خمرا وتلف عنده ثم اختلفا فقال المغصوب منه صار خلا ثم تلف فعليك الضمان وقال الغاصب بل تلف وهو خمر فلا ضمان علي فالقول قول الغاصب لأن الأصل براءة ذمته ولأن الأصل أنه باق على كونه خمرا .
فصل : وإن اختلفا في الثياب التي على العبد المغصوب فادعى المغصوب منه أنها له وادعى الغاصب أنها له فالقول قول الغاصب لأن العبد وما عليه في يد الغاصب فكان القول قوله والله أعلم