وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

فإذا وقع الالتفات إلى ما روي من الآثار المتعلقة بالآية كان الأمر مشكلا . فقد روى مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء " التي لا قرن لها وفي رواية غيره : الجماء " من الشاة القرناء " . وروى أحمد بن حنبل وأبو داود الطيالسي في مسنديهما عن أبي ذر قال : انتطحت شاتان أو عنزان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا أبا ذر أتدري فيم انتطحتا قلت : لا قال : لكن الله يدري وسيقضي بينهما يوم القيامة . فهذا مقتض إثبات حشر الدواب ليوم الحساب فكان معناه خفي الحكمة إذ من المحقق انتفاء تكليف الدواب والطير تبعا لانتفاء العقل عنها . وكان موقعها جلي المناسبة بما قاله الفخر نقلا عن عبد الجبار بأنه لما قدم الله أن الكفار يرجعون إليه ويحشرون بين بعده أن الدواب والطير أمم أمثالهم في أنهم يحشرون . والمقصود بيان أن الحشر والبعث كما هو حاصل في الناس حاصل في البهائم . وهذا ظاهر قوله ( يحشرون ) لأن غالب إطلاق الحشر في القرآن على الحشر للحساب فيناسب أن تكون جملة ( وما من دابة في الأرض ) الآية عطفا على جملة ( والموتى يبعثهم الله ) فإن المشركين ينكرون البعث ويجعلون إخبار الرسول E به من أسباب تهمته فيما جاء به فلما توعدهم الله بالآية السابقة بأنهم إليه يرجعون زاد أن سجل عليهم جهلهم فأخبرهم بما هو أعجب مما أنكروه وهو إعلامهم بأن الحشر ليس يختص بالبشر بل يعم كل ما فيه حياة من الدواب والطير . فالمقصود من هذا الخبر هو قوله ( ثم إلى ربهم يحشرون ) . وأما ما قبله فهو بمنزلة المقدمة له والاستدلال عليه أي فالدواب والطير تبعث مثل البشر وتحضر أفرادها كلها يوم الحشر وذلك يقتضي لا محالة أن يقتص لها فقد تكون حكمة حشرها تابعة لإلقاء الأرض ما فيها وإعادة أجزاء الحيوان .
وإذا كان المراد من هذين الحديثين ظاهرهما فإن هذا مظهر من مظاهر الحق يوم القيامة لإصلاح ما فرط في عالم الفناء من رواج الباطل وحكم القوة على العدالة ويكون القصاص بتمكين المظلوم من الدواب من رد فعل ظالمه كيلا يستقر الباطل . فهو من قبيل ترتب المسببات على أسبابها شبيه بخطاب الوضع وليس في ذلك ثواب ولا عقاب لانتفاء التكليف ثم تصير الدواب يومئذ ترابا كما ورد في رواية عن أبي هريرة في قوله تعالى ( ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا ) . قال المازري في المعلم : واضطرب العلماء في بعث البهائم . وأقوى ما تعلق به من يقول ببعثها قوله تعالى ( وإذا الوحوش حشرت ) . وقد قيل : إن هذا كله تمثيل للعدل . ونسبه المازري إلى بعض شيوخه قال : هو ضرب مثل إعلاما للخلق بأن لا يبقى حق عند أحد .
والدابة مشتقة من دب إذا مشى على الأرض وهي اسم لكل ما يدب على الأرض . وقوله ( في الأرض ) صفة قصد منها إفادة التعميم والشمول بذكر اسم المكان الذي يحوي جميع الدواب وهو الأرض وكذلك وصف ( طائر ) بقوله ( يطير بجناحيه ) قصد به الشمول والإحاطة لأنه وصف آيل إلى معنى التوكيد لأن مفاد ( يطير بجناحيه ) أنه طائر كأنه قيل : ولا طائر ولا طائر . والتوكيد هنا يؤكد معنى الشمول الذي دلت عليه ( من ) الزائدة في سياق النفي فحصل من هذين الوصفين تقرير معنى الشمول الحاصل من نفي اسمي الجنسين . ونكتة التوكيد أن الخبر لغرابته عندهم وكونه مظنة إنكارهم أنه حقيق بأن يؤكد .
ووقع في المفتاح في بحث إتباع المسند إليه بالبيان أن هذين الوصفين في هذه الآية للدلالة على أن القصد من اللفظين الجنس لا بعض الأفراد وهو غير ما في الكشاف وكيف يتوهم أن المقصود بعض الأفراد ووجود ( من ) في النفي نص على نفي الجنس دون الوحدة .
وبهذا تعلم أن ليس وصف ( يطير بجناحيه ) واردا لرفع احتمال المجاز في ( طائر ) كما جنح إليه كثير من المفسرين وإن كان رفع احتمال المجاز من جملة نكت التوكيد اللفظي إلا أنه غير مطرد ولأن اعتبار تأكيد العموم أولى بخلاف نحو قولهم : نظرته بعيني وسمعته بأذني . وقول صخر : شعر واتخذت من شعر صدارها إذ من المعلوم أن الصدار لا يكون إلا من شعر .
A E