وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

والباء في قوله ( بها ) يجوز أن تكون للسببية فتتعلق ب ( أصبحوا ) أي كانت تلك المسائل سببا في كفرهم أي باعتبار ما حصل من جوابها ويحتمل أن تكون للتعدية فتتعلق ب ( كافرين ) أي كفروا بها أي بجوابها بأن لم يصدقوا رسلهم فيما أجابوا به وعلى هذا الوجه فتقديم المجرور على عامله مفيد للتخصيص أي ما كفروا إلا بسببها أي كانوا في منعة من الكفر لولا تلك المسائل فقد كانوا كالباحث على حتفه بظلفه فهو تخصيص ادعائي أو هو تقديم لمجرد الاهتمام للتنبيه على التحذير منها .
وفعل ( أصبحوا ) مستعمل بمعنى صاروا وهو في هذا الاستعمال مشعر بمصير عاجل لا تريث فيه لأن الصباح أول أوقات الانتشار للأعمال .
والمراد بالقوم بعض الأمم التي كانت قبل الإسلام سألوا مثل هذه المسائل فلما أعطوا ما سألوا لم يؤمنوا مثل ثمود سألوا صالحا آية فلما أخرج لهم ناقة من الصخر عقروها وهذا شأن أهل الضلالة متابعة الهوى فكل ما يأتيهم مما لا يوافق أهواءهم كذبوا به كما قال الله تعالى ( وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين ) وكما وقع لليهود في خبر إسلام عبد الله بن سلام . وقريب مما في هذه الآية ما قدمناه عند تفسير قوله تعالى ( قل من كان عدوا لجبريل ) في سورة البقرة . فإن اليهود أبغضوا جبريل لأنه أخبر دانيال باقتراب خراب أورشليم وتعطيل بيت القدس حسبما في الإصحاح التاسع من كتاب دانيال . وقد سأل اليهود زكرياء وابنه يحيى عن عيسى وكانا مقدسين عند اليهود فلما شهدا لعيسى بالنبوءة أبغضهما اليهود وأغروا بهما زوجة هيرودس فحملته على قتلها كما في الإصحاح الرابع من إنجيل متى والإصحاح الثالث من مرقس .
والمقصود من هذا ذم أمثال هذه المسائل بأنها لا تخلو من أن تكون سببا في غم النفس وحشرجة الصدر وسماع ما يكره ممن يحبه . ولولا أن إيمان المؤمنين وازع لهم من الوقوع في أمثال ما وقع فيه قوم من قبلهم لكانت هذه المسائل محرمة عليهم لأنها تكون ذريعة للكفر .
فهذا استقصاء تأويل هذه الآية العجيبة المعاني البليغة العبر الجديرة باستجلائها فالحمد لله الذي من باستضوائها .
( ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون [ 103 ] ) استئناف ابتدائي جاء فارقا بين ما أحدثه أهل الجاهلية من نقائض الحنيفية وبين ما نوه الله به مما كانوا عليه من شعائر الحج فإنه لما بين أنه جعل الكعبة قياما للناس وجعل الهدي والقلائد قياما لهم بين هنا أن أمورا ما جعلها الله ولكن جعلها أهل الضلالة ليميز الخبيث من الطيب فيكون كالبيان لآية ( قل لا يستوي الخبيث والطيب ) فإن البحيرة وما عطف عليها هنا تشبه الهدي في أنها تحرر منافعها وذواتها حية لأصنامهم كما تهدى الهدايا للكعبة مذكاة فكانوا في الجاهلية يزعمون أن الله شرع لهم ذلك ويخلطون ذلك بالهدايا ولذلك قال الله تعالى ( قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا ) وقال في هذه الآية ( ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب ) . فالتصدي للتفرقة بين الهدى وبين البحيرة والسائبة ونحوهما كالتصدي لبيان عدم التفرقة بين الطواف وبين السعي للصفا والمروة في قوله ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) كما تقدم هنالك . وقد قدمنا ما رواه مجاهد عن ابن عباس : أن ناسا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البحيرة والسائبة ونحوهما فنزلت هذه الآية .
ومما يزيدك ثقة بما ذكرته أن الله افتتح هذه الآية بقوله : ( ما جعل الله ) لتكون مقابلا لقوله في الآية الأخرى ( جعل الله الكعبة ) . ولولا ما توسط بين الآيتين من الآي الكثيرة لكانت هذه الآية معطوفة على الأولى بحرف العطف إلا أن الفصل هنا كان أوقع ليكون به استقلال الكلام فيفيد مزيد اهتمام بما تضمنه .
A E