وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

والآية اقتضت : أن تحريم ما حرم عليهم إنما كان عقابا لهم وأن تلك المحرمات ليس فيها من المفاسد ما يقتضي تحريم تناولها وإلا لحرمت عليهم من أول مجيء الشريعة . وقد قيل : إن المراد بهذه الطيبات هو ما ذكر في قوله تعالى ( وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلى قوله ذلك جزيناهم ببغيهم ) في سورة الأنعام فهذا هو الجزاء على ظلمهم .
نقل الفخر في آية سورة الأنعام عن عبد الجبار أنه قال " نفس التحريم لا يجوز أن يكون عقوبة على جرم صدر منهم لأن التكليف تعريض للثواب والتعريض للثواب إحسان فلم يجز أن يكون التكليف جزاء على الجرم . قال الفخر : والجواب أن المنع من الانتفاع يمكن أن يكون لقصد استحقاق الثواب ويمكن أن يكون للجرم " .
وهذا الجواب مصادرة على أن مما يقوي الإشكال أن العقوبة حقها أن تخص بالمجرمين ثم تنسخ . فالذي يظهر لي في الجواب : إما أن يكون سبب تحريم تلك الطيبات أن ما سرى في طباعهم بسبب بغيهم وظلمهم من القساوة صار ذلك طبعا في أمزجتهم فاقتضى أن يلطف الله طباعهم بتحريم مأكولات من طبعها تغليظ الطباع ولذلك لما جاءهم عيسى أحل الله لهم بعض ما حرم عليهم من ذلك لزوال موجب التحريم وإما أن يكون تحريم ما حرم عليهم عقابا للذين ظلموا وبغوا ثم بقي ذلك على من جاء بعدهم ليكون لهم ذكرى ويكون للأولين سوء ذكر من باب قوله ( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم " ما من نفس تقتل ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها " . ذلك لأنه أول من سن القتل . وإما لأن هذا التحريم عقوبة دنيوية راجعة إلى الحرمان من الطيبات فلا نظر إلى ما يعرض لهذا التحريم تارة من الثواب على نية الامتثال للنهي لندرة حصول هذه النية في الترك .
وصدهم عن سبيل الله : إن كان مصدر صد القاصر الذي مضارعه يصد بكسر الصاد فالمعنى بإعراضهم عن سبيل الله ؛ وإن كان مصدر المتعدي الذي قياس مضارعه بضم الصاد فلعلهم كانوا يصدون الناس عن التقوى ويقولون : سيغفر لنا من زمن موسى قبل أن يحرم عليهم بعض الطيبات . أما بعد موسى فقد صدوا الناس كثيرا وعاندوا الأنبياء وحاولوهم على كتم المواعظ وكذبوا عيسى وعارضوا دعوة محمد صلى الله عليه وسلم وسولوا لكثير من الناس جهرا أو نفاقا البقاء على الجاهلية كما تقدم في قوله ( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ) الآيات . ولذلك وصف ب ( كثيرا ) حالا منه .
وأخذهم الربا الذي نهوا عنه هو أن يأخذوه من قومهم خاصة ويسوغ لهم أخذه من غير الإسرائيليين كما في الإصحاح من سفر التثنية " لا تقرض أخاك بربا ربا فضة أو ربا طعام أو ربا شيء ما مما يقرض بربا . للأجنبي تقرض بربا " .
والربا محرم عليهم بنص التوراة في سفر الخروج في الإصحاح " إن أقرضت فضة لشعبي الفقير الذي عندك فلا تكن له كالمرابي لا تضعوا عليه ربا " .
وأكلهم أموال الناس بالباطل أعم من الربا فيشمل الرشوة المحرمة عندهم وأخذهم الفداء على الأسرى من قومهم وغير ذلك .
والاستدراك بقوله ( لكن الراسخون في العلم ) الخ ناشئ على ما يوهمه الكلام السابق ابتداء من قوله ( يسألك أهل الكتاب ) من توغلهم في الضلالة حتى لا يرجى لأحد منهم خير وصلاح فاستدرك بأن الراسخين في العلم منهم ليسوا كما توهم فهم يؤمنون بالقرآن مثل عبد الله بن سلام ومخيريق .
والراسخ حقيقته الثابت القدم في المشي لا يتزلزل ؛ واستعير للتمكن من الوصف مثل العلم بحيث لا تغره الشبه . وقد تقدم عند قوله تعالى ( وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم ) في سورة آل عمران .
والراسخ في العلم بعيد عن التكلف وعن التعنت فليس بينه وبين الحق حاجب فهم يعرفون دلائل صدق الأنبياء ولا يسألونهم خوارق العادات .
وعطف ( المؤمنون ) على ( الراسخون ) ثناء عليهم بأنهم لم يسألوا نبيهم أن يريهم الآيات الخوارق للعادة . فلذلك قال ( يؤمنون ) أي جميعهم بما أنزل إليك أي القرآن وكفاهم به آية وما أنزل من قبلك على الرسل ولا يعادون رسل الله تعصبا وحمية .
A E