النصّ الكامل لكلمة الإمام الخامنئي في «يوم القدس العالميّ»
فلسطين بأجمعها تبدّلت إلى ميدان للمقاومة
ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلاميّ النصّ الكامل لكلمة الإمام الخامنئي بتاريخ 29/4/2020 في «يوم القدس العالمي» التي استهلّها سماحته بشكر الشعب الإيرانيّ على حضوره الملحميّ في مسيرات يوم القدس، ومن ثمّ وجّه كلمة باللغة العربيّة خاطب فيها الشعب الفلسطينيّ وأبناء الأمتين الإسلاميّة والعربيّة واعتبر أنّ القدس اليوم يوجّه دعوته إلى المسلمين في العالم، وكلّ شيء في فلسطين ينبئ بمعادلة جديدة فيها، فالإرادة التي لا تنكسر حلّت اليوم محلّ الجيش الذي لا يُقهر، ودعا سماحته في الختام أبناء الشباب الفلسطينيّين المضحّين لمواصلة دورهم الأهمّ والأكثر حساسيّة وريادة في جسد المقاومة مؤكّداً على أنّ إيران ستبقى الداعم والمساند لهم ولجبهة المقاومة.
بسم الله الرحمن الرحيم،
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين، ولا سيما بقية الله في الأرضين.
سلام وتحية كبيرة للشعب الإيراني العظيم الذي سطّر اليوم ملحمة بالمعنى الحقيقي للكلمة، وسلام وتحية للإمام [الخميني] الجليل الراحل الذي كان المؤسس لهذا البنيان المبارك على مدى الأزمنة المقبلة.
اليوم كان حضور الناس - إلى حد ما اطلعت عليه ورأيت بعضه - في أنحاء البلاد كافة ملحمياً بالمعنى الحقيقي للكلمة، وكان ذا عظَمة. لقد دخل الناس الميدان بدافعٍ تام. إن هذه الحركة الشعبية العظيمة عمل عظيم ومبارك. وإن حضوركم في الميدان السياسي والشعبي للدفاع عن القدس هو دفاع حقيقي عنها. هذا دفاعٌ حقيقي. أولئك الأشخاص الذين يدافعون اليوم بأجسادهم وأرواحهم عن القدس والمسجد الأقصى - القبلة الأولى للمسلمين - بحركتكم هذه تشتد عزيمتهم ويستمدون الطاقة ويثبتون.
بالأمل في الله وبالتوفيق الإلهي، سوف تقترب الحركة الفلسطينية والنضال الفلسطيني العظيم من نتائجها النهائية التي ستكون مباركة.
اليوم أريد أن أطرح بعض المواضيع بشأن قضايا القدس وفلسطين مع إخوتي وأعزائي الفلسطينيين، وسأتحدث بالعربية. لقد تحدثنا بهذا الصدد مع شعبنا مرات عدة وقلنا أموراً. إنما خطابي اليوم هو للإخوة الفلسطينيين والعالم الإسلامي أجمع، خاصة العالم العربي.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الخلق وأشرف البرية سيدنا محمد المصطفى خاتم المرسلين وعلى آله الطاهرين وصحبه المنتجبين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
السلام على جميع أبناء أمّتنا رجالاً ونساءً في أرجاء العالم.. السلام على شباب العالم الإسلامي.. السلام على الشباب الشجعان والغيارى الفلسطينيين وعلى جميع أبناء فلسطين.
حلّ مرّة أخرى يومُ القدس.. القدسُ الشريف يوجِّه دعوتَه إلى جميع المسلمين في العالم. في الواقع ما دامَ الكيانُ الغاصِبُ والمجرم الصهيوني يسيطر على القدس، فإنّ أيامَ السنةِ كلَّها يجبُ أن نَعتبرها يومَ القدس. القدسُ الشريفُ قلبُ فلسطين، وكلُّ الأرض المغتصبة من البحرِ إلى النهر، هي امتدادٌ للقدس. الشعبُ الفلسطيني في كل يوم يُبدي أكثرَ مما مضى صمودَهُ بشهامة قلَّ لها نظير، ويقفُ بوجهِ الظلم، وسيظلُّ في هذا الوقوفِ الصامد. الشبابُ – بما يقومونَ به من عملياتِ تضحية – قد أصبحوا دِرعاً دفاعياً لفلسطين، ويبشّرون بالواعِدِ من المستقبل.
يمرُّ يومُ القدس علينا هذا العام وكلُّ شيءٍ يُنبِّئُ بمعادلةٍ جديدة لفلسطين في يومِها وغدِها.
" الإرادة التي لا تنكسر" في الساحةِ الفلسطينية وفي جميعِ منطقةِ غربِ آسيا تحلُّ محلَّ ما سُمّيَ «الجيشَ الذي لا يُقهَر» للصهاينة. لقد بات ذلك الجيشُ المجرمُ مضطراً إلى أن يُبدِّل اصطفافَه الهجومي إلى دفاعي.
اليوم، وفي الساحة السياسية نرى أهمَّ داعمٍ للكيان الغاصب، أعني أمريكا، يعاني من هزائمَ متلاحقة.. هزيمةٍ في حربِ أفغانستان.. وهزيمةٍ في مُمارسةِ الضّغوط القُصوى على إيران الإسلام.. وهزيمةٍ أمام القوى الآسيوية.. وهزيمةِ التحكُّمِ بالاقتصاد العالمي.. وهزيمةٍ في إدارته الداخلية وظهورِ التصَدّعِ العميق في هذه الإدارة.
الكيانُ الغاصِبُ يَتَخَبّطُ في الساحة السياسية والعسكرية داخلَ شبكةٍ مُعقّدةٍ من المشاكل. الجلّادُ والمجرمُ السابقُ الذي كان على رأس ذلك الكيان قد أُلقيَ بعد مَلْحمةِ سيفِ القدس في المزبلة، والذين حَلّوا محلَّه أيضاً هم في انتظارِ سيفٍ قاطعٍ لملحمةٍ أخرى.
الكيانُ الصهيوني جنَّ جنونه أمامَ الحِراكِ في جِنين. بينما عَمَدَ هذا الكيانُ الغاصبُ قبلَ عشرين عاماً إلى قتلِ مائتي فلسطينيّ في مُخيّم جِنين مقابلَ مقتلِ عددٍ من الصهاينة في نهاريا ظانّاً أنّ مسألة جِنين قد قُضيَ عليها إلى الأبد.
الاستِطلاعاتُ تُشيرُ إلى أن سبعين بالمائة من الفلسطينيين تقريباً في أراضي ثماني وأربعين وسبع وستين، وفي مخيّمات الشتات يطالبون قادة فلسطين بمواجهةٍ عسكريةٍ تجاهَ الكيانِ الغاصب. هذه ظاهرةٌ هامةٌ، إذ تعني جُهُوزيّةَ الفلسطينيين بشكل كامل لمواجهة الكيان الغاصب، وتعني إعطاءَ الضوءَ الأخضرَ الجماهيري للفصائلِ المجاهدة لِأنْ تُمارسَ دورها متى ما رأت الوقتَ يَستَلزِمُ ذلك.
الحِراكُ الجهادي للشعبِ الفلسطيني في القطاعين الشمالي والجنوبي لأراضي ثمانية وأربعين، ومُتَزامِناً مع ذلك خروجُ المسيراتِ الضخمةِ في الأردن والقدس الشرقية، والدفاعُ البطولي للشباب الفلسطيني عن المسجد الأقصى، والمناورات العسكرية في غزّة.. كلها تشير إلى أنّ فلسطين بأجمعِها قد تبدّلت إلى مسرحٍ للمقاومة. الشعبُ الفلسطيني الآن قد توحّدت كلمتُهُ بشأن مواصلةِ الجهاد.
هذه الأحداث ، وما شَهِدتهُ الساحة الفلسطينية في السنوات الأخيرة، قد ألغَت جميعَ مشاريعِ التسوية مع العدوّ الصهيوني. إذ لا يمكن تنفيذُ أيِّ مشروعٍ بشأن فلسطين في غيابِ أصحابها أي الفلسطينيين، أو في تَعارُضٍ مع وجهة نظرهم. وهذا يعني بُطلانَ جميعِ الاتفاقياتِ السابقة مثل أوسلو، وحَلِّ الدولتين، أو صَفْقَةِ القرن، أو التطبيع المذلّ الأخير.
الكيانُ الصهيوني، مع أنّ قُواهُ خائرة، لا يزال يُواصلُ جرائمَهُ، ويُشهِرُ السلاحَ بوجه المظلومين، ويقتل النساءَ والأطفالَ والعُزّلَ من الشيوخ والشباب، يزجُّ في السجون، ويمارسُ التعذيب، ويهدم البيوت، ويُبيدُ المزارعَ والـمُمتلكات.
الدجّالونَ من أدعياءِ حقوقِ الإنسان في أوربا وأمريكا الذين يَملأون الأجواءَ بالضجيجِ تجاهَ قضيةِ أوكرانيا تَراهُم قد خُتِمَ على أفواهِهم تجاهَ كلّ هذه الجرائم في فلسطين، فلا يدافعون عن المظلوم، بل يُغدقون على الذئب المفترس بالمساعدات.
هذا درسٌ كبير. في قضايا العالم الإسلامي وعلى رأسها القضيةُ الفلسطينيةُ لا يمكنُ الاعتمادُ على هذه القوى العنصرية المعاندة، ولا ينبغي ذلك.
قوةُ المقاومةِ المستَلهَمَةُ من تعاليم القرآن الكريم وأحكامِ الإسلامِ العزيز هي وحدَها القادرةُ على حلّ مسائلِ العالم الإسلامي وعلى رأسها المسألةُ الفلسطينية.
تَبلوُرُ تيار المقاومةِ في منطقةِ غربِ آسيا في العقود الأخيرة كان أكثرُ الظواهر بركةً في المنطقة. قامةُ المقاومةِ كانت هي التي طَهّرت الجزءَ اللبناني الـمُحتلّ من رجسِ وجودِ الصهاينة، وأخرجت العراقَ من حُلقوم أمريكا، وأنقذت العراق من شر داعش، وزوّدت بالمددِ المدافعين السوريين مقابلَ مخططاتِ أمريكا. المقاومةُ تكافِحُ الإرهابَ العالمي، وتساعدُ الشعبَ المقاومَ اليمني في الحرب المفروضةِ عليه، وتصارعُ الوجود الغاصِبَ الصهيوني في فلسطين، وسَتُطِيحُ به بتوفيق الله تعالى، وبجهودِها وجهادِها تجعلُ مسألةَ القدسِ وفلسطينَ بارزةً أكثرَ فأكثر في أوساطِ الرأي العامِ العالمي.
أنتم يا أبناء فلسطين، وأنتم أيها الشباب الـمُضحّون في الضّفّة الغربية و في أراضي ثمانية وأربعين، أنتم أيها المناضلون في مخيّم جِنين، وأنتم أيها الساكنون في المخيمات الفلسطينية في الشتات.. أنتم تشكّلون القسمَ الأهمَّ والأكثرَ حساسيةً وريادة في جسد المقاومة. فاعلموا:
«إِنَّ اللهَ یُدَافِعُ عَنِ الَّذِینَ آمَنُوا»
و «وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَیْرٌ لِّلصَّابِرینَ»
و «وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِکَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ»
و «سَلاَمٌ عَلَیْکُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ».
الجمهوريةُ الإسلاميةُ الإيرانيةُ داعمٌ ومُساندٌ لجبهةِ المقاومةِ، داعمٌ ومساندٌ للمقاومة الفلسطينية، لقد قلنا ذلك مراراً وعملنا بما نقول، وعلى ذلك نحنُ مُصِرُّون.
نحن ندينُ التوجّهَ الخيانيَّ للتطبيع. نُدين ظاهرةَ «قابليةِ التطبيع» وما قالته بعضُ الحكوماتِ العربيةِ لأمريكا بضرورةِ التعجيلِ في تصفيةِ المسألة الفلسطينية. إذا كان قصدُها إزالةَ كلِّ مانعٍ على طريقِ تثبيتِ الكيان الغاصِب، فإنهم أولاً قد ارتكبوا خيانةً وجرّوا العارَ على العالم العربي، وثانياً إنهم قد مارسوا سَذاجَةً ما بعدها سذاجة، لأنّ الأعمى – كما قيل – لا يستطيع أن يقود أعمى.
في الخاتمة أبعثُ بتحياتي إلى أرواح شهداء فلسطين، وأقفُ إجلالاً أمامَ عوائلهم الصامدة، وأحيّي الأسرى الفلسطينيين الصامدين بإرادةٍ قويّة في سجونِ الاحتلالِ، وأشُدُّ على يدِ الفَصائلِ الفلسطينية المقاومة التي تنهضُ بالقسم الأكبر من هذه المسؤولية، وأدعو العالم الإسلامي وخاصةً جِيلَ الشباب إلى التواجُدِ في ساحاتِ العزّةِ والكرامة.
وآخر دعوانا أن الحمدُ لله ربّ العالمين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته