ـ(85)ـ
أما ما قام عليه دليل من موارد سد الذرائع فلا خلاف فيه كما في مسألة النهي عن سب آلهة المشركين لئلاً يسبوا الله تعالى.
وهنا نتساءل عن المقصود بسدّ الذريعة وحرمة كلّ وسيلة يمكن أن تفضي إلى الحرام وإن كانت بنفسها مباحة كالمشي في طريق قد يؤدي إلى الحرام فهل يراد سدّ كلّ وسيلة يمكن أن تؤدي إليه ويحتمل فيها ذلك أم أن المراد هو سدّ خصوص الوسائل التي نقطع ـ حقيقة أو عرفاً ـ بأدائها إلى الحرام؟
فإن كان الثاني فلا خلاف في ذلك من حيث الحرمة، وان كان الكلام في عقليتها وغيريتها قائماً. والحقيقة هي قيام تزاحم بين الحكم الأولي لذات المقدمة والقائم على الملاك المتوفر فيها والحكم الأولي لذي المقدمة (إذا كان التزاحم متصوّراً بين حكم الإباحة وحكم الحرمة) وحكم ذي المقدمة تكليفي وهو مقدم في الغالب على الحكم غير التكليفي، وربما كان ملاك الإباحة أكثر أهمية من ملاكات بعض الأحكام التكليفية.
أما إذا كان المراد هو الأول فهو أمر غريب !.
صحيح أن الشارع قد يشتد اهتمامه بحذف مفسدة مهمة فيصب اهتمامه على سدّ كلّ الطرق التي تؤدي إليها ولو احتمالاً وحينئذ يقوم مباشرة بالتحريم كما في موضوع الزنا واختلاط المياه وضياع الأنساب حيث عمل الشارع على سدّ كثير من الطرق المفضية إليه على نحو الاحتمال وقد يستفيد البعض من أسلوبه أن كلّ طريق يؤدي إليه بنفس المستوى يجب سده ولكن هذا الأمر لا يمكن أن يشكل قاعدة عامة في كلّ موارد المفسدة لنقول بسد الذرائع كدليل واصل عام إلاّ أن يرشدنا الشارع إلى هذا المعنى أو يقوم هو بسد الذرائع المفضية إلى الحرام وكمثال لذلك نشير إلى أن الشيخ الأعظم الأنصاري (رحمه الله تعالى) يقول وهو في صدد تقرير حرمة التشبيب بالمرأة المعروفة المؤمنة المحترمة: "ويمكن أن يستدل عليه بما سيجيء من عمومات حرمة اللهو والباطل وما دل على حرمة الفحشاء ومنافاته للعفاف المأخوذ في العدالة وفحوى ما دل على حرمة ما يوجب ـ ولو بعيداً ـ تهيج القوة الشهوية بالنسبة إلى غير الحليلة مثل ما دل على المنع عن النظر لأنه سهم من