ـ(84)ـ
بعيداً ولو لحج أو عمرة، وتحريم النظر إلى العورات، ووجوب الاستئذان عند الدخول إلى البيوت وغير ذلك مما يعلم أنها حرمت لكي يتم سد الطرق إلى الزنا.
وحينئذٍ فلو كان هناك طريق لم ينصّ على حكمه تم منعه عملاًَ بطريقة الشارع.
المناقشة:
وقبل الدخول في المناقشة يجب التنبيه على أمر مهم وهو:
أن الحديث ينصبّ على المقدمات التي لا تستلزم بشكل قطعي تحقق الحرام أما إذا افترضنا الاستلزام وعدم الانفكاك ـ ولو بشكل عرفي ـ فان فعل هذه المقدمات لا ريب في حرمته العقلية (على الأقل) فإلقاء المصحف في النار مثلاً يستلزم إحراقه وإهانته وهي محرمة قطعاً (بل يعتبرها التقي السبكي خارجة عن باب سدّ الذرائع)(1). وإنّما عبرنا عن الحرمة بالحرمة العقلية على الأقل لنستوعب رأي القائلين بعدم تبعية حرمة المقدمة لحرمة ذي المقدمة من باب التحريم المولوي، وإن كانوا يؤكدون على وجود حكم عقلي بالحرمة كالحكم العقلي بوجوب المقدمة لتحقيق ذي المقدمة كما يمكن القول بوجود اتفاق على حرمة كلّ ما ينتهي بشكل طبيعي وعرفي إلى الحرام إذا أدى إلى ذلك كحفر الآبار في طرق المسلمين أيضاً أما إذا لم يؤد إلى الحرام فنقول فيه أيضاً أنّه لا كلام في قبحه الفاعلي باعتبار الحافر متجرئاً على الحرام وعاملاً على تحقيقه فإذا قلنا باستحقاق المتجري للعقاب استحقه بذلك (وهنا بحث خاص بالموضوع).
فمصب البحث ـ كما أكد القرافي (2) بحق ـ هو ما كان أداؤه إلى المفسدة كثيراً لكنه ليس غالباً.
وغني عن التنبيه أن الخلاف إنّما يجري في غير ما ورد في الكتاب والسنّة،
__________________________________
1 ـ راجع أعلام الموقين لابن القيم ج3 ص 148.
2 ـ الفروق للقرافي ج2 ص 32.