ـ(190)ـ
عند من يقول بذلك ويشترط في التعريف: أن يكون شاملاً لجميع الأفراد، مانعاً من دخول الغير فيه.
وعرفه البعض الآخر: (بأنه قياس خفي لا يتبادر إلى الفهم في مقابل قياس جلي)(1)، ولعل ذلك ما نسميه بـ"التبادر البدوي "، ولا حجية فيه، وهذا أيضاً غير شامل لجميع الأنواع لإرادة القياس الأصولي، وليس الأمر مقصوراً عليه، بل كما يكون هذا القياس يكون غيره: كالدليل العام، أو القاعدة المقررة عند البعض.
ومنهم من عرفه: (بأنه كلّ دليل شرعي مقابله قياس جلي، سواء كان نصاً أو إجماعاً أو ضرورة، أم قياساً خفياً) (2). والواقع: أن حصر الاستحسان بهذه الأمور الأربعة غير صحيح، بل ربما يكون بالعرف وبالمصلحة أيضاً.
وعرفه الكرخي: (أنّه العدول عن حكم في مسألة بمثل حكمه في نظائرها إلى خلافه لوجه أقوى منه) (3). وهذا يوجب كون العدول عن العموم إلى الخصوص، والمنسوخ إلى الناسخ استحساناً.
وعرفه أبو الحسين: (وهو ترك وجهٍ من وجوه الاجتهاد غير شامل شمول الألفاظ لوجه هو أقوى منه، وهو حكم طارئ على الأول) (4) خرج بالأول: التخصيص والنسخ. وبالثاني: الحكم بأقوى القياسين، فإنه ليس في حكم الطارئ، ولو كان في حكمه لكان استحساناً.
وعلق محمّد بن السحن على ذلك قائلاً: (تركت الاستحسان للقياس، كما لو قرأ آية سجدةٍ في آخر سورة فالقياس الاكتفاء بالركوع، والاستحسان: أن يسجد ثم يركع؛ لأن سماه استحساناً؛ لأن الاستحسان وحده وإن كان أقوى من القياس لكن أنضم إلى القياس شيء آخر، وترجيح المجموع عليه، فإنه تعالى أقام الركوع مقام السجود في قوله
__________________________________
1 ـ أصول الفقه للبرديسي: 290.
2 ـ المصدر السابق.
3 ـ كشف الأسرار على أصول البزدوي 2: 123.
4 ـ الأحكام في أصول الأحكام 4: 392، وشرح الأسنوي 3: 188، والمحصول 2: 560.