ـ(189)ـ
والسنة النبوية وعبارات بعض الفقهاء، وإنّما وقع الخلاف في معناه وتعريفه الاصطلاحي، والذي عرف بعدة تعاريف لا يخلو بعضها من إبهام وغموض، وهي أقرب إلى تعاريف الأدباء التي يغلب عليها طابع السجع(1). والتعريف الذي يمكن أن تنتهي إليه أكثر التعاريف هو: الأخذ بأقوى الدليلين (2). وقد عرض الشوكاني عدة تعاريف للاستحسان من غير نسبة إلى قائلها كما عرض الأستاذ الخفيف قسماً منها ناسباً كلّ تعريف إلى قائله ومذهبه(3). فيطلق تارة على ما يميل إليه الإنسان ويهواه من الصور والمعاني وإن كان مستقبحاً عند غيره، أو يستحسنه المجتهد بعقله (4). والأحكام لا تؤخذ بالتشهي والهوى، وهذا مما اتفقت كلمة العلماء على منعه.
ويطلق تارة أخرى على أنه: عبارة عن دليل ينقدح في نفس المجتهد لا يقدر على إظهاره، لعدم مساعدة العبارة عنه(5). وهذا مردود؛ لأن كلمة "ينقدح" للمجتهد تعني: أنّه شاك في اعتباره كدليل، والأحكام الشرعية لا تثبت بالشك أصلاً.
وكثيراً ما جرت كلمة الاستحسان على السنة الحنفية منفردة أو مقرونة بالقياس فقد عرفوه (بأنه العدول عن موجب قياس إلى قياس أقوى منه، أو هو تخصيص قياس بدليل أقوى منه) (6).
والحقيقة أن هذا التعريف غير جامع ولا مانع؛ لأنه لا يشمل الاستحسان الثابت بدليل آخر غير القياس: كالاستحسان الثابت بالإجماع أو الضرورة
__________________________________
1 ـ الأصول العامة للفقه المقارن للسيد محمّد تقي الحكيم: 361.
2 ـ الموافقات للشاطبي 4: 117.
3 ـ إرشاد الفحول للشوكاني: 240 وأسباب اختلاف الفقهاء: 236، ومصادر التشريع الإسلامي: 58.
4 ـ المستصفى للغزالي 1: 137.
5 ـ الأحكام للآمدي 4: 212، والمستصفى 1: 138، وشرح الأسنوي 3: 168، وإرشاد الفحول: 211، واللمع للشيرازي: 66، والمدخل إلى مذهب أحمد: 135، وغاية الوصول: 139.
6 ـ كشف الأسرار على أصول اليزدوي 2: 1123، وشرح العضد على مختصر المنتهى 2: 822، وغاية الوصول 139 والتعريفات للجرجاني: 13 والكشاف للتهانوي 2: 39 ـ 391 تعليل الأحكام لمصطفى الشلبي 330 ـ 331.