ـ(188)ـ
كتبهم كثيراً ما يجد هذه العبارة: (الحكم في هذه المسألة قياساً كذا، واستحساناً كذا) وقد اعتبروه دليلاً خامساً في الشرع يترك به مقتضى القياس؛ لأنه أحد نوعي القياس، فهو قياس خفي في مقابل القياس الجلي، ويسمى كذلك إشارة إلى أنّه أولى بالعمل به كما قال البزدوي.
لقد كان الأخذ بالاستحسان مثار بحث العلماء، فبعد ما أقره المالكية والحنابلة واشتهر به الحنفية عدة الشافعية والظاهرية بدعة وتشريعاً في الدين، ولذا قال الشافعي عبارته المشهورة ـ فيما تنقل في كتب الأصول وإن لم تكن في كتابه "الرسالة" ـ: (من استحسن فقد شرع (1) أي: وضع شرعاً جديداً.
إنّ هذا البحث يعرض لهذه المسألة، ويناقش الآراء فيها، ويحاول الوصول إلى رأي ناضج وسنوزع البحث على المطالب التالية:
المطلب الأول
حقيقة الاستحسان
الاستحسان في اللغة:
الاستحسان مأخوذ من الحسن (1)، ومصدره: استحسن، أي: الشيء عده حسناً (2)، سواء كان الشيء من الأمور الحسية أو المعنوية (3). يقال: استحسن الطعام، ويقال: هذا ما استحسنه المسلمون، أي: رأوه حسناً.
وليس الخلاف بين العلماء في جواز استعمال لفظ الاستحسان (4) لوروده في القرآن
__________________________________
1 ـ شرح تنقيح الفصول للقرافي: 415 ـ 452، كتاب الحدود لأبي وليد الباجي: 65.
2 ـ كشف الأسرار للبزدوي 4: 112. 3 ـ الأحكام للآمدي 4: 211.
4 ـ سلم الوصول: 296.
5 ـ الأحكام للآمدي 3: 136، وشرح الأسنوي 3: 168، وأصول السرخسي 2: 200.