ـ(198)ـ
الإنابة في القرآن الكريم:
ورد ذكر الإنابة في القرآن الكريم في خمسة عشر موضعاً في آيات كثيرة تحكي عن هذه الكلمة وهذه المفردة، التي تورث معرفتها نوعاً من المعرفة التي يستحق العبد المؤمن في إدراكها غاية درجات المتيقن.
فقوله تبارك اسمه: [فاستغفر ربه وخر راكعاً وأناب](1) بيان حالة النبي داود ـ عليه السلام ـ وإنابته ولا شك أن مفهوم الإنابة في هذه الآية الكريمة يختلف عن مفهومها في قوله تعالى: [وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه ثم إذا اذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون](2).
إنّ الآية الكريمة التي تحكي عن القدوة الحسنة المتمثلة في إبراهيم ـ عليه السلام ـ وإظهاره البراءة من أعداء الله، ومن عبادتهم الهوى والأصنام، وإظهار الكفر بذلك، وترك عبادتهم ودينهم، وتعيين الموقف الحقيقي منهم بإظهاره ـ عليه السلام ـ العداوة والبغضاء إلى نهاية المطاف بشرط البقاء على ضلالتهم عناداً أما لو آمنوا فهم إخوانهم في الدين، عند ذلك يصل القول في الآية الكريمة إلى: [وإليك أنبنا واليك المصير](3). وهو مقام العودة إلى الحق، أي من الكل إلى من لـه الكل، وهي تختلف عن إنابة عموم العباد، وهذا مرتبط بالتسليم المطلق والتفويض إليه بعد الوصول إلى درجة الإنابة الحقيقة.
ولك الأمر فاقض ما أنت قاض فعلي الجمال قد ولاكا (4).
قال تعالى [قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذا قالوا لقومهم إنا برء آؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدابيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتّى تؤمنوا بالله وحده إلاّ قول إبراهيم لأبيه لا ستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيءٍ ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا واليك المصير](5).
__________________________________
1 ـ ص: 24.
2 ـ الروم: 23.
3 ـ الممتحنة: 4.
4 ـ جلاء الغامض في شرح ديوان ابن الفارض لأمين الخوري: 192.
5 ـ الممتحنة: 4.