ـ(85)ـ
الهدف الثاني: ولعلّة الأهمّ هو: المحافظة على سنة النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ التي لم تجمع في كتاب كما جمع القرآن الكريم في زمن النبي الأكرم وصحابته، بل كانت السنة محفوظة في صدور الصحابة، تنتقل من صدر إلى صدر، ولا يمكن الوثوق بما يحدث به الصحابة عن النبي إلاّ بعد إحراز عدالة هؤلاء الصحابة، وحصول الاطمئنان بأقوالهم، بينما نرى: أنّ أهل السنة أصروا على عدالة الصحابة أجمعين للوصول إلى هذا الهدف.
وأنا أقول بصراحة: لولا وجود هذا الربط الوثيق بين عدالة الصحابة وبين السنة النبوية فلا داعي لنا للحديث حولهم وما صدر منهم، إلاّ إذا أخذنا درساً من تلك الأحداث في واقعنا السياسي المعاصر، وكم من تجربة توجد لدينا في سيرة الصحابة والتابعين، وفي متابعة الأحداث والفتن في عصرهم لو أخذناها بعين الاعتبار.
3 ـ وأمّا الآيات التي استدل بها الفريقان في شان الصحابة فهي بما فيها من قيود وشروط خاضعة للبحث، وقد بحث حولها بما يطول الكلام بذكرها، والأمر الذي لا ينبغي إنكاره في هذا المجال: أنّ القرآن الكريم تعرض بكثرة لما كان عليه الصحابة من الطاعة والعصيان، ومن الإحسان والإساءة، وأن عدد هاتين الطائفتين من الصحابة يتجاوز ما يعترف به الشيعة والسنة(1).
4 ـ وأمّا الحديث عن وجه إعراض الصحابة عن حادثة "الغدير" فهناك محامل أخرى غير ما ذكره الأستاذ، مثل: أنّ نقول ـ ولو على سبيل الاحتمال ـ: إنهم لم ينكروا حادثة الغدير، بل قد أخذوا بعين الاعتبار مصلحة طارئة دفعتهم إلى الاستعجال في انتخاب الخليفة، كما اعترف بذلك الخليفة عمر أثناء خلافته، حيث قال: (كانت خلافة أبي بكر فلتة، وقى الله شرها)(2). ومثل أنّ نقول ـ ولو من باب المصلحة الإسلاميّة ـ: إنّ عليا صاحب الحق الشرعي قد غض الطرف عن بعض حقه، حفاظاً على الإسلام (3)، ورغم ذلك فقد كان هو المفتي وحلال كل معضل يطرأ على حكومة الخلفاء قبله(4)، ولنا
__________________________________
1 ـ الصواعق المحرقة لابن حجر: 68، وجامع الأصول لابن الأثير 11: كتاب الحوض، ح 7979.
2 ـ صحيح البخاري: 31 باب الحدود، ومسند أحمد بن حنبل 1: 55.
3 ـ شرح ألفية العراقي 4: 36.
4 ـ سيرة ابن هشام 2: 83 و484،وأنظر أمالي الطوسي: 194