ـ(53)ـ
جزماً ابتداء (1).
كما تساءل المحدث الجزائري عن معنى دليل العقل وحجيته الذي جعلوه أصلاً في الأصول والفروع فقال: (أنّ أردتم ما كان مقبولاً عند عامة العقول فلا يثبت ولا يبقى لكم دليل عقلي؛ وذلك لأن العقول مختلفة في مراتب الإدراك، وليس لها حد تقف عنده، فمن ثم ترى كلاً من اللاحقين يتكلم على دلائل السابقين ولا ينقضه، ويأتي بدلائل أخرى فيما ذهب إليه.
أما إذا كان المراد به ما كان مقبولاً بزعم المستدل به واعتقاده فلا يجوز لنا تكفير الحكماء والزنادقة، ولا الطعن على من يذهب إلى مذهب يخالف ما نحن عليه؛ وذلك أنّ أهل كل مذهب استندوا في تقوية ذلك المذهب إلى دلائل كثيرة من العقل، وكانت مقبولة في عقولهم، معلولة لهم، ولم يعارضها سوى دلائل العقل لأهل القول الآخر، أو دلائل النقل، وكلاهما لا يصح للمعارضة؛ لما قلتم: إنّ دليل النقل يجب تأويله، ودليل العقل لهذا الشخص لا يكون حجة على غيره؛ لأن عنده مثله ويجب عليه العمل بذلك)(2).
ثانياً: الروايات الواردة في المنع عن استعمال الرأي: أمثال الرواية الواردة عن أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ: "أنّ المؤمن لم يأخذ دينه عن رأيه، ولكن أتاه من ربه فأخذ به" (3).
ومنها: رواية أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السلام ـ: ترد علينا أشياء ليس نعرفها في كتاب الله ولا سنته فنتظر فيها ؟ فقال: "لا، أما إنك إنّ أصبت لم تؤجر، وإن أخطأت كذبت على الله" (4). إلى غير ذلك من الروايات المتواترة معنى، والتي اعتبرها المحدث البحراني دالة على كون الشريعة توقيفية لا مدخل للعقل في استنباط شيء من أحكامها بوجه(5).
ثالثاً: ما ورد من الأخبار المتواترة عن الأئمة عليهم السلام بانحصار طريق أخذ هذا العلم ـ العلم القطعي ـ في السماع عنهم ـ عليهم السلام ـ بواسطة أو بدونها كما أنه تواترت الأخبار
__________________________________
1 ـ الحدائق الناضرة للبحراني 1: 128.
2 ـ الأنوار النعمانية في بيان النشأة الإنسانية لنعمة الله الجزائري: 300 ـ 301.
3 ـ وسائل الشيعة للحر العاملي: ب 6 من أبواب صفات القاضي 18: 26، ح 14.
4 ـ المصدر السابق 18 : 24 ح 6.
5 ـ الحدائق الناضرة 1 : 132.