ـ(52)ـ
فكلام المحدث الاسترآبادي صريح في عدم جواز الاعتماد على الظن المستفاد من المقدمات العقلية، ومحل كلامه ومورد نقضه هو العقل الظني لا القطعي، وغرضه من ذلك: إنّمّا هو إثبات عدم جواز اتباع غير النقل فيما لا يحصل منه القطع، لا أنّ مورد نقضه وإشكاله هو عدم حجية القطع الحاصل من المقدمات العقلية.
ولذا قال: (الأول: في إبطال جواز التمسك بالاستنباطات الظنية في نفسه أحكامه تعالى شأنه، ووجوب التوقف عند فقد القطع بحكم الله، أو بحكم ورد عنهم ـ عليهم السلام ـ)(1).
وهكذا يتضح من النص المتقدم: عدم جواز اتباع غير النقل فيما لا قطع به، لا أنه ينفي حجية القطع الحاصل من المقدمات العقلية، وأن العقل القطعي لا إشكال في جواز الاستناد إليه.
أدلة الأخباريّين في نفي حجية دليل العقل بالمفهوم الأصولي:
لقد استدل الأخباريون على نفي حجية دليل العقل بأدلة كثيرة:
أولاً: أنّ هذه الأشياء المسماة بالبراهين إذا كانت في أنفسها براهين لكان كل من سمعها ووقف عليها وجب أنّ يتقبلها وأن لا ينكرها أصلاً، وحيث نرى أنّ الذي يسميه أحد الخصمين برهاناً فإن الخصم الثاني يسمعه ويعرفه، ولايفيد لـه ظناً ضعيفاً.
من هذا يحصل لنا العلم: أنّ هذه الأشياء ليست في أنفسها براهين، وإنّما هي مقدمات ضعيفة أضيفت العصبية والمحبة إليها، فتخيل بعضهم كونها برهاناً، مع أنّ الأمر في نفسه ليس كذلك. وأيضاً فالمشبه يحتج على القول بالتشبيه بحجة، ويزعم أنّ تلك الحجة أفادته الجزم واليقين:
فإما أنّ يقال: إنّ كل واحدة من هاتين الحجتين صحيحة يقينية فحينئذ يلزم صدق النقيضين وهو باطل.
وإما أنّ يقال: أحدهما صحيحة والأخرى فاسدة، مع أن الذي تمسك بتلك الحجة جزم بصحة تلك المقدمات ابتداء، فهذا يدل على أن العقل يجزم بصحة الفاسد
__________________________________
1 ـ الفوائد المدنية للاسترابادي: 90.