ـ(54)ـ
عنهم ـ عليهم السلام ـ بأنه لا يجوز تحصيل الحكم الشرعي النظري بالكسب والنظر؛ لأنه يؤدي إلى اختلاف الآراء في الأصول وفي الفروع الفقهية: كالمناكح، والمواريث، والديات، والقصاص، والمعاملات، كما هو المشاهد، فتنتفي فائدة بعث الرسل وإنزال الكتب، إذ فائدتهما ـ كما هو المشهور بين علماء الإسلام ـ دفع الاختلاف ليتم نظام المعاش(1).
موازنة وتقويم:
بعد أنّ انتهينا من عرض آراء الأصوليين والأخباريين في هذه المسألة نستطيع أنّ نضع النقاط التالية في صدد الموازنة بين تلكم الأقوال:
أولاً: أنّ الأصوليين يعتبرون العقل مصدراً رابعاً للتشريع بعد الكتاب والسنة والإجماع، وأن لـه القابلية لإدراك الأحكام الكلية الشرعية الفرعية بتوسط نظرية التحسين والتقبيح العقليين، ولكن على سبيل الموجبة الجزئية، أو عدم قابليته لإدراك جزئياتها وبعض مجالات تطبيقها، لعجزه عن إدراك الجزئيات، وكذلك عدم إدراكه وحده لكثير من الأحكام الكلية: كالعبادات وغيرها؛ لعدم ابتناء ملاكاتها ـ على نحو الموجبة الكلية ـ على ما كان ذاتياً من معاني الحسن والقبح(2).
ثانياً: في حين اقتصر الأخباريون في استفاداتهم لأمورهم الشرعية على مصدرين فقط هما: الكتاب والسنة والروايات الواردة عن أهل البيت ـ عليهم السلام ـ تابعة للسنة في رأي الإمامية، وتسمى سنة آل البيت ـ عليهم السلام ـ (3).
ثالثاً: ومن خلال ما تقدم: فإن الأصوليين لا يرون أنّ العقل النظري يمكن أنّ يدرك الحكم الشرعي ابتداء دون الاستعانة بالملازمة بين ما يحكم به العقل أو الشرع بصورة قاطعة، وبين حكم آخر للشرع، ولذلك فالقول بأن الحرمة والحلية ليستا ذاتيتين ـ كما قال الاستر آبادي والكركي ـ إنّمّا يصح رداً على من يرى أنّ إدراك العقل النظري للحكم الشرعي يكون ابتداء، لا بتوسط الملازمة.
رابعاً: مع تعريف دليل العقل لدى الأصوليين بأنه حكم العقل القطعي، وأن
__________________________________
1 ـ الفوائد المدنية للاسترآبادي: 90.
2 ـ الأصول العامة للسيد محمّد تقي الحكيم: 300.
3 ـ راجع للاطلاع على سنة أهل البيت المصدر السابق: 145.