ـ(51)ـ
من زعم أنّ الحلية والحرمة ذاتيتان، وأن القبح العقلي ملزوم الحرمة، ولكونهما ليسا ذاتيين، بل لوجوه واعتبارات؛ ولذلك جاز تبديلهما، فيكون الشيء حلالاً في شريعة حراماً في أخرى، والشرع كاشف عما لا يستقل العقل بإدراك حليتة وحرمته، ولو كانا داتيين لجرى ذلك في أفعاله تعالى وهو باطل اتفاقا(1).
والذي يبدو لي: أنّ كثيراً من الخلط وقع عند بعض الأصوليين في عرضهم لآراء الأخباريين في خصوص دليل العقل:
فمن ذلك: ما نسبه الشيخ الأنصاري إلى الأخباريين من عدم الاعتماد على القطع الحاصل من المقدمات العقلية القطعية غير الضرورية؛ لكثرة وقوع الاشتباه والخلط فيها، فلا يمكن الركون إلى شيء منها (2).
وهو بهذا يشير إلى نص نقله عن المحدث الاسترآبادي، قسم فيه العلوم النظرية إلى قسمين:
أولاً قسم ينتهي إلى مادة قريبة من الإحساس: كعلم الهندسة والحساب، وأكثر أبواب المنطق وقرر أنّ ما كان من هذا القسم لا يقع فيه الخلاف بين العلماء، ولا الخطأ في نتائج الأفكار؛ وذلك لأن الخطأ في الفكر: إما من جهة الصورة، وإما من جهة المادة، والخطأ من جهة الصورة لا يقع من العلماء؛ لان معرفة الصورة من الأمور الواضحة عند الأذهان المستقيمة، والخطأ من جهة المادة لا يتصور في هذا القسم؛ لقرب موارده من الإحساس.
ثانياً: وقسم ينتهي إلى مادة بعيدة عن الإحساس: كالحكمة الإلهية، والطبيعية، وعلم الكلام، وعلم أصول الفقه، والمسائل النظرية الفقهية، وبعض القواعد المذكورة في كتب المنطق. وقرر أنّ هذا القسم يشتد فيه الخلاف، ويكثر فيه الخطأ والاشتباه؛ والسبب في ذلك: أنّ القواعد المنطقية إنّمّا هي عاصمة من الخطأ من جهة الصورة، لا من جهة المادة... إلى آخره(3).
__________________________________
1 ـ الفوائد المدنية للاسترآبادي: 141، وهداية الأبرار لحسين بن شهاب الدين الكركي: 251.
2 ـ الرسائل للشيخ الأنصاري: 8.
3 ـ الفوائد المدنية للاسترآبادي: 129.