ـ(50)ـ
الشيء الفلاني، وعلم بوجوب إطاعة الله لم يحتج ذلك إلى توسط مبلغ ؟! ودعوى استفادة ذلك من الأخبار ممنوعة، فإن المقصود من أمثال الخبر المذكور عدم جواز الاستبداد بالأحكام الشرعية بالعقول الناقصة الظنية من غير مراجعة حجج الله، بل في مقابلهم ـ عليهم السلام ـ)(1).
ثانياً: أنّ الدليل العقلي صالح لتقييد المطلق اللفظي وذلك حينما يدرك العقل على نحو الجزم اختصاص الحكم ببعض مصاديق اللفظ المطلق الوارد في الدليل.
فقد ذكر الشيخ الطوسي لذلك عدة أمثلة:
منها: تخصيص الخطاب في قوله تعالى:[يا أيها الناس اتقوا ربكم](2).
بالعقلاء، من أجل قيام الدليل العقلي على أنّ الأطفال والمجانين لا يحسن تكليفهم(3).
فالأخباريون يتحدد موقفهم من دليل العقل في جانبين:
الجانب الأول: هو إيمانهم القطعي والبديهي أو الفطري على حد ما ورد عنهم، وأنه حجة باطنة، وإيمانهم بالتحسين والتقبيح العقليين.
فقد أفاد الكركي حسين بن شهاب الدين في حديثه عن حسن الأفعال وقبحها:
(أنّ حسن بعض الأفعال كالعدل، بمعنى: استحقاق فاعله المدح والثواب في نظر العقلاء، وقبح بعضها كالظلم، بمعنى: استحقاق فاعله الذم والعقاب، فكذلك مما تشهد به العقول عند من لا يعرف الشرائع، ولا يقر بالصانع مع قطع النظر عن كون تلك الأفعال صفات كمال أو نقص، ومشتملة على مصلحة أو مفسدة)(4).
كما ذكر مذاهب القائلين بالحسن والقبح العقليين، واختار مذهب الشيخ الطوسي وهو: أنّ القبيح لا يخرج عن قبحه عقلاً، ولكن يجوز ارتكاب أقل القبيحين لمصلحة توجبه، كقتل القاتل أو الكذب لخلاص النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ)(5).
الجانب الثاني: يتمثل بعدم إيمانهم بإمكان إدراك العقل النظري بصورة استقلالية ابتداء. وأن الشبهة الواردة على الحسن والقبح الذاتيين أصلها اشتباه الأمر؛ لأنها ترد على
__________________________________
1 ـ الرسائل للأنصاري: 90.
2 ـ النساء: 1.
3 ـ عدة الأصول للطوسي 1: 132 ـ 133.
4 ـ هداية الأبرار للكركي: 250.
5 ـ المصدر السابق: 251.