ـ(49)ـ
العقل عن الحكم في الأصول والفروع فهل يبقى لـه حكم في مسألة من المسائل ؟ قلت: أما البديهيات فهي لـه وحده، وهو الحاكم فيها)(1).
والدليل على اختصاصه ببعض مسائل أصول الدين، أو بعض الأمور الدنيوية وعدم شموله للأحكام الفقهية هو: ما ذكره المحدث البحراني من: أنّ الأحكام الفقهية من عبادات وغيرها توقيفية، تحتاج إلى السماع من حافظ الشرع؛ لقصور العقل المذكور عن الاطلاع على أغوارها.
ثم قال: نعم، يبقى الكلام بالنسبة إلى مالا يتوقف على التوقيف. فنقول: إنّ كان الدليل العقلي المتعلق بذلك بديهياً ظاهر البداهة مثل: "الواحد نصف الاثنين" فلا ريب في صحة العمل به.
ثم في ضوء هذا التفصيل قال: لا ريب أنّ العقل الصحيح الفطري حجة من حجج الله، وسراج منير من جهته، وهو موافق للشرع، بل هو شرع من داخل، كما أنّ ذلك شرع من خارج، وهو قد يدرك الأشياء قبل ورود الشرع فيها، فيأتي الشرع مؤيداً لـه ، وقد لا يدركها قبله ويخفى عليه الوجه فيها، فيأتي الشرع مبيناً لـه (2).
وقد أجيب عما ذكره المحدث البحراني من كون السماع من المعصومين ـ عليهم السلام ـ شرطاً في تنجز التكليف ووجوب امتثاله بـ:
أولاً: أنّ الأحاديث الواردة في المنع من استعمال الرأي في أحكام الشرع وبطلان العبادة بدون الرجوع إلى المعصوم إنّمّا وردت تحذيراً عما كان شائعاً في تلك العصور من استقلال بعض الفقهاء بآرائهم، والعمل بالقياس، وعدم الرجوع إلى أهل البيت ـ عليهم السلام ـ لذا نددت بهم وبقياسهم مجموعة كبيرة من الأحاديث، وعليه فلا تنظر تلك الأحاديث إلى الفقيه الذي يرجع إلى أهل البيت ـ عليهم السلام ـ في أصول وفروعه، ويتمثل الحكم الذي يحصل لـه القطع به بواسطة الرسول الباطني.
قال الشيخ الأنصاري: (... كيف والعقل بعد ما عرف أنّ الله تعالى لا يرضى بترك
__________________________________
1 ـ الرسائل للأنصاري: 8 نقلاً عن المحدث الجزائري.
2 ـ الحدائق الناضرة للبحراني 1: 131.