ـ(48)ـ
ويرد على هذا:
أ ـ إنّ كان مرادهم إنكار الإدراك العقلي للحسن والقبح فهو مصادرة، وقد تقدم أنه لا مجال في إثبات ذلك إلاّ إدراك العقلاء وتطابق آرائهم على ذلك.
ب ـ وإن كان مرادهم إنكار الملازمة بني حكم العقل وحكم الشرع بعد فرض تطابق العقلاء بما فهيم الشارع فهذه مصادرة أخرى. (إذ لا معنى للتفكيك بين ثبوت الحسن والقبح، وبين إدراك العقل لهما إلاّ إذا جاز تفكيك الشيء عن نفسه)(1).
ج ـ (وإذا كان مرادهم إنكار حجية العقل: فإن كان من طريق العقل لزم من وجوده عدمه؛ لأن الإنكار لو تم فهو رافع لحجية العقل، فلا يصح العقل للدليلية عليه، ولا على غيره. وإن كان من غير العقل فما هو المستند في حجية ذلك الدليل ؟ فإن كان من غير العقل لزم التسلسل، وإن كان من العقل لزم من وجوده عدمه؛ لانتهائه إلى إنكار حجيته أيضاً، لفرض قيامه أخيراً على إنكار ثبوت الحجية لـه )(2). ولاستجلاء موقف الأخباريين من هذا الدليل والتعرف على ما ذهبوا إليه فالذي يتضح من كلماتهم: أنهم فرقوا بين الأمور البدديهية والأمور النظرية "غير البديهية" فإثبتوا الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع في البديهيات دون النظريات، وبذلك اشترطوا لتطابق العقل والشرع أنّ يكون الأمر المدرك المحكوم فيه بديهياً لدى جميع العقلاء، أما إذا كان نظرياً فلا تلازم بين حكم العقل وحكم الشرع فيه، فلا يستقل العقل بحكمه قبل التشريع والتبليغ، وهو إنّمّا يكون في مسائل أصول الدين، أو في بعض الأمور الدنيوية البديهية دون الأحكام الفقهية.
قال الكركي حسين بن شهاب الدين: (واعلم: أنّ من نفى الحسن والقبح عقلاً لا يمكنه الجزم بشيء من أمور الدين؛ لتجويزه إجراء المعجزة على يد الكاذب، وخلف الوعد منه تعالى، ويلزم منه عدم الوثوق بصدق الأنبياء، وغير ذلك من المفاسد)(3).
وقد استحسن هذا التعريف المحدث الجزائري، حيث قال (فإن قلت: عزلت
__________________________________
1 ـ المصدر السابق.
2 ـ المصدر السابق: 299.
3 ـ هداية الأبرار، حسين بن شهاب الدين الكركي: 251 ـ 252.