ـ(46)ـ
كما أنّ توافق الدليلين: العقلي واللفظي لا يبقي مجالاً للإيراد على الحكم الناتج عنهما.
فالظلم ـ مثلاً ـ أدرك العقل بنحو الجزم قبحه وحرمته، وصرح بهما الكتاب والسنة، فهما مرشدان إلى ما أدركه العقل بنظر الأصولي الذي يرى حجية إدراكه، ومولويان بنظر الأخباري الذي يناقش في حجيته، والنتيجة واحدة، وهي: ثبوت حرمة الظلم في الشريعة.
وإنّما الخلاف في أنّ الدليل اللفظي مولوي أو إرشادي ولا أثر لـه . نعم، يظهر الأثر فيما لو تجرد العقل في إدراكه عن الدليل اللفظي، وقد مثل لذلك بوجوب تخليص المؤمن من المهلكة: كإنقاذه من الغرق ونحوه، فإن الأدلة اللفظية من الكتاب والسنة إنّمّا وردت في حرمة ظلمه وهتكه وإيذائه، كما أنها ندبت إلى معونته وقضاء حوائجه، ولعظم حرمته عند الله تعالى أدرك العقل بنحو الجزم وجوب إنقاذه كما يدرك الخادم وجوب إنقاذ ابن ولي نعمته المشرف على الغرق وإن لم يصدر منه أمر بإنقاذه. ولحجية هذا الإدراك يجب الإنقاذ، فإن قام دليل لفظي على ذلك كان مرشداً إليه كما سبق (1).

ب ـ موقف الأخباريين:
بسبب عدم وضح مفهوم دليل العقل لدى الأخباريين من الإمامية فقد جمدوا على مصدرين فقط من مصادر التشريع، هما: الكتاب والسنة(2).
فقد رفض المحدث الاسترا آبادي دليل العقل الظني بكل أشكاله وفروعه، فرفض العمل بالاجتهاد والرأي القائم على الظن(3).
كما رفض وجود المجتهد المطلق (4). معتمداً في ذلك على أخبار وردت عن الأئمة ـ عليهم السلام ـ (5). فأورد عن الصادق ـ عليه السلام ـ قوله: "الحكم حكمان: حكم الله عز وجل،
__________________________________
1 ـ الاجتهاد والفتوى لمحي الدين الغريفي: 107.
2 ـ الفوائد المدنية لمحمد أمين الاستر آپادي: 47.
3 ـ المصدر السابق: 56.
4 ـ المصدر السابق: 90، 94، 96، 97، 98، 101، 132.
5 ـ المصدر السابق: 111، 122، 132، 136، 176، 250.