ـ(45)ـ
الشريعة يستلزم حرمة ضده، ووجوب مقدمته، كما أنّ حرمة فعل تستلزم عدم الأمر به. فتحريم الكون في الدار المغصوبة مانع من الأمر به فتبطل الصلاة فيها لذلك.
وهذا الإدراك لأمر ثابت في الواقع ليس بإدراك لحكم شرعي ليشمله النهي عن استعمال الرأي فيه، وإنّما هو إدراك لما يستتبع الحكم الشرعي: كاستحالة اجتماع النقيضين المستتبع لعدم طلب المولى للفعل الذي نهى عنه (1).
وهذه الملازمات وأمثالها أمور حقيقية واقعية يدركها العقل النظري بالبداهة أو الكسب؛ لكونها من الأوليات والنظريات التي قياسها معها، أو لكونها تنتهي إليها فيعلم بها العقل على سبيل الجزم، وإذا قطع العقل بالملازمة فإنه لابد أنّ يقطع بثبوت الملازم وهو حكم الشارع، ومع حصول القطع فإن القطع حجة يستحيل النهي عنه، بل به حجية كل حجة (2).
ولم ينكر الأخباريون حجية هذا العقل النظري الفطري، وإنّما ناقشوا في حجية العقل العملي، وهو كذلك لا يمكن أنّ يستقل في إدراك أنّ هذا ينبغي عند الشارع بالخصوص أو لا ينبغي، فهو من الأمور الواقعية التي تدرك بالعقل النظري لا بالعقل العملي.
إنّمّا كل ما للعقل العملي من وظيفة هو: أنّ يستقل بإدراك أنّ هذا الفعل في نفسه مما ينبغي فعله أولا ن مع قطع النظر عن نسبته إلى الشارع المقدس، أو إلى أي حاكم آخر. وإذا حصل للعقل العملي هذا الإدراك جاء العقل النظري عقيبه، فقد يحكم بالملازمة بين حكم العقل العملي وحكم الشارع، وقد لا يحكم، ولا يحكم بالملازمة إلاّ في خصوص القضايا المشهورة التي تطابقت عليها آراء العقلاء كافة بما هم عقلاء(3).
غير أنه لا أثر لهذا النقاش؛ لأن هذا الدليل العقلي وإن كان حجة ويسوغ العمل به لكنا لم نجد حكماً واحداً يتوقف إثباته على الدليل العقلي وإن كان حجة ويسوغ العمل به لكنا لم نجد حكماً واحداً يتوقف إثباته على الدليل العقلي بهذا المعنى، بل كل ما يثبت بالدليل العقلي فهو ثابت في الوقت نفسه بكتاب، أو سنة.
__________________________________
1 ـ الاجتهاد والفتوى في عصر المعصوم للغريفي: 105.
2 ـ أصول الفقه للمظفر 3: 126.
3 ـ المصدر السابق 3: 128.