ـ(43)ـ
الماتريدية والمعتزلة.
ثانياً: أنّ الماتريدية أعطت العقل بعض القابلية في الإدراك، لكن لا يترتب على حكمه عقاب عند مخالفته؛ وذلك لأنه ليس للعقل المجرد قدرة على التكليف، بل لابد من الاستعانة بالشرع.
ثالثاً: أنّ المعتزلة قد اختلفت مع الفريقين السابقين، حيث قررت أنّ العقل يشرع الأحكام، ويبين المطلوب وغير المطلوب ولو لم يسبق شرع منه، ويهدي إلى طريق الحق.

دليل العقل عند الإماميّة
أ ـ موقف الأصوليين:
يرى الأصوليون من الإمامية: أنّ العقل مصدر الحجج واليه تنتهي، وهو المرجع الوحيد في أصول الدين، وفي بعض الفروع التي لا يمكن للشارع المقدس أنّ يصدر حكمه فيها كأوامر الطاعة، وذلك للزوم الدور أو التسلسل.
كما يرى الأصوليون: أنّ فيه القابلية لإدراك الأحكام الكلية الشرعية الفرعية بتوسط نظرية التحسين والتقبيح العقليين، ولكن على سبيل الموجبة الجزئية. وعدم قابليته لإدراك جزئياتها وبعض مجالات تطبيقها؛ لعجزه عن إدراك الجزئيات، وتحكم بعض القوى الأخرى وتأثيرها في مجالات التطبيق(1).
ولم يعتمد الأصوليون على العقل بما أنه مشرع وحاكم، بل بما أنه مدرك ومميز تمييزاً كاملاًَ امتاز به الإنسان عن بقية الحيوانات.
ولم يكتفوا بإدراكه للمصلحة والمفسدة فقط، وإن قالوا بتبعية الأحكام لهما حيث يكون وجودهما من قبيل المقتضي، ومن الممكن فقدان شرطه أو وجود مانع(2).
وفي صدد تحديد المراد من العقل الذي تذهب الأصولية من الإمامية إلى حجية إدراكه لابد أنّ نرجع إلى تقسيم العقل ـ الذي مر ذكره ـ إلى نظري وعملي: فإن كان المراد:
__________________________________
1 ـ الأصول العامة للسيد محمّد تقي الحكيم: 299.
2 ـ الاجتهاد والفتوى في عصر المعصوم لمحي الدين الغريفي: 104 ـ 105.