ـ(42)ـ
بذاته، وأن يمتنعوا عما هو قبيح في ذاته، فلا يحل لهم أنّ يكذبوا، ويجب عليهم أنّ يعدلوا فيما بينهم، وهم محاسبون على ظلمهم، مجزون على عدلهم.
2 ـ إنه إذا لم يكن نص يكونون مكلفين بما يقضي به العقل في الحكم على الأشياء: من حسن ذاتي، أو قبح ذاتي، فما يقضي به العقل في موضع لا نص فيه فهم محاسبون عليه.
3 ـ إنّ الله تعالى لا يمكن أنّ يأمر بأمر قبيح قبحاً ذاتياً، ولا ينهى عن شيء فيه حسن ذاتي(1). ويلاحظ أنّ المعتزلة قد اختلفت فيما بينها حول هل أنّ الحسن والقبح في الأفعال هما ذاتيان فيها، أو لصفةٍ عارضةٍ عليها؟
فقدامى المعتزلة ذهبوا إلى ذاتية الحسن والقبح، في حين ذهب الجبائية (2).إلى كونه لصفةٍ عارضةٍ عليها)(3).
وللمعتزلة تقسيم للحسن والقبح من حيث نوعية الإدراك كما عرضه الغزالي:
1 ـ ما يدرك بضرورة العقل: كحسن إنقاذ الغرقى والهلكى، وشكر المنعم، ومعرفة حسن الصدق، وكقبح قول الكفر، وإيلام البريء، والكذب الذي لا غرض فيه.
2 ـ ما يدرك بنظر العقل: كحسن الصدق الذي فيه ضرر، وقبح الكذب الذي فيه نفع.
3 ـ ما يدرك بالسمع:كحسن الصلاة، والحج، وسائر العبادات (4).
النتيجة:
بعد عرض آراء فرق أهل السنة الثلاثة في هذه المسألة وفي صدد الموازنة بينها نرى:
أولاً: أنّ الأشاعرة انفردت بتحييدها العقل عن الإدراك، وأنه لا وجود لحسن ذاتي أو قبح ذاتي، ولا تكليف إلاّ من الشارع، ولا عبرة بأوامر العقل، وبهذا خالفوا
__________________________________
1 ـ أصول الفقه لأبي زهرة: 72.
2 ـ الجبائية: فرقة من المعتزلة تـُنسب إلى أبي علي محمّد بن عبد الوهاب الجبائي المتوفى سنة (295هـ)، وهو من معتزلة البصرة، وكذلك ولده أبو هاشم عبد السلام المتوفى سنة (321)هـ، لهما آراء فلسفية كثيرة.
3 ـ الأصول العامة للفقه المقارن للحكيم: 294.
4 ـ المستصفى للغزالي 1: 36.