ـ(41)ـ
3 ـ أشياء مرددة بين الأمرين: القبيح والحسن، وهذا القسم يجوز الأمر به والنهي عنه، فإن أمر به فهو حسن للأمر به، وإن نهى عنه فهو قبيح للنهي عنه.
واستدلوا على ما قرروه بأدلة أهمها:
الأول: أنّ هناك أعمالاً وأقوالاً لا يسع العاقل إلاّ أنّ يفعلها، ومن شأنها أنّ فاعلها لا يذم بل يمدح، وهذه الأفعال حسنة في ذاتها، وأن هناك أعمالاً لا يجوز لعاقلٍ أنّ يفعلها: إما لأن العقل يوجب ألا تفعل، وإما لأنها تجلب مذمة الناس وعدم مدحهم، وهذه قبيحة لذاتها، وعلى هذا فالصدق حسن في ذاته، والكذب قبيح لذاته، ولا يجوز لأحد أنّ يفعله، فالعاقل لو خير بين الصدق والكذب لاختار الصدق.
الثاني: أنّ الحسن والقبح أمران يدركان بالعقل، وأن العلم بالحسن والقبح ضروري، فقد علم الناس بضرورة العقل أن الظلم قبيح، والعدل حسن، وأن الكذب قبيح ولو كان نافعاً، والصدق حسن ولو كان ضاراً، وقد تطابق الناس على ذلك، لافرق بين متدين وغير متدين.
الثالث: أنّ الأمور لو لم يكن فيها الحسن لذاته الذي لا يصح أنّ يخالف والقبيح لذاته الذي لا يصح أنّ يفعل لترتب أنّ تجيء المعجزة على يد الكاذب، وبذلك لا يعلم النبي من الكاذب، إذ أنّ خرق العادات من الممكن أنّ يجيء على يد الصادق الأمين وعلى يد غير الأمين، فيكون المبعوث إليهم في حيرة؛ لأن الخوارق تجيء على يد الكاذب والصادق. ولو قيل: إنّ مجيء الخارق للعادات مستحيل أنّ يكون على يد الكاذب لكان معناه: أنّ العقل هو الذي يحكم بأن ذلك غير حسن في ذاته، ويكون التسليم بالحسن الذاتي والقبح الذاتي.
وإن قيل بالجواز لكان مؤداه حيرة المبعوث إليهم، إذ لا تكون فائدة في خرق العادة، ولأدى إلى عدم إمكان أحد أنّ ينتفع بنبي(1). وبعد أن أورد الشيخ أبو زهرة هذه الأدلة عقب عليها بقوله: (هذا نظر المعتزلة، وتلك أدلتهم، وقد ترتب عليه ثلاثة أمور:
1 ـ إنّ أهل الفترة ومن يكونون في المجاهل مكفلون بان يفعلوا ما هو حسن
__________________________________
1 ـ أصول الفقه، لأبي زهرة: 71.