ـ(40)ـ
ويقسمون الأشياء إلى حسنٍ لذاته، وقبيحٍ لذاته، وما هو بينهما، وهو تابع لأمر الله تعالى ونهيه(1).
وفي ضوء هذه النصوص نفهم: أنّ الماتريدية ينكرون ترتب حكم العقل؛ وذلك لأن العقول مهما بلغت درجة نضجها فإنها معرضة للخطأ والاشتباه، وكثير من الأفعال تشتبه فيها العقول فلا تحكم بالصواب (2). غير أن الملاحظ أنّ العقول ـ بما هي عقول ـ لا تتعرض للخطأ والاشتباه، وإنّما هناك تخيلات لأحكام عقلية صادرة عن قوى أخرى في النفس، وفيها يقع الخطأ والاشتباه (3).
ثالثا: المعتزلة (4).
وتُقرر هذه الفرقة: أنّ العقل يحكم بحسن الأشياء وقبحها، ويحكم بالحلال والحرام، بل رتب على الحكم العقاب الأخروي، ولو لم يكن رسول مبعوث قد بين الشرع وأنزل الله عليه الحلال والحرام فأهل الفترة مكلفون بمقتضى حكم العقل، مثابون على الخير، معاقبون على الشر، وكذلك من يكون في جزيرة نائية قد انقطع من الناس ولا يعلم الشرع ولم يبلغ إليه فإنه بحكم العقل مكلف (5).
ويرون أنّ الأشياء تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
1 ـ أشياء حسنة في ذاتها لا يجوز إلاّ أنّ يأمر الله بها.
2 ـ أشياء قبيحة في ذاتها، وهذه لا يجوز أنّ يأمر الله بها.
__________________________________
1 ـ راجع: الإمام الصادق لأبي زهرة: 490، وأصول الفقه لأبي زهرة: 72، وتاريخ المذاهب الإسلاميّة لابي زهرة 1: 212 ـ 215.
2 ـ مباحث الحكم عند الأصوليين 1: 174.
3 ـ الأصول العامة للسيد محمّد تقي الحكيم: 298.
4 ـ المعتزلة: فرقة فلسفية نشأت في العصر الأموي، وازدهرت في العصر العباسي،
وشغلت الفكر الإسلامي جدلاً ونقاشاً في كثير من المسائل الفلسفية، ويرى الكثير أنّ رأس المعتزلة هو واصل بن عطاء، وقد حضر على أبي الحسن البصري، ثم اعتزله بعد مخالفته في كثير من المسائل. ويرى البعض الآخر أنّ ظهورها كان بعد هدنة الإمام الحسن ـ عليه السلام ـ مع معاوية، فاعتزلوا جميع الناس، ولزموا منازلهم ومساجدهم، واشتغلوا بالعلم والعبادة. راجع: الإمام الصادق، لأبي زهرة: 489.
5 ـ المصدر نفسه.