ـ(39)ـ
النار"(1). لأنه أول من بحر البحائر وسيب السوائب. ومن المعلوم أنه لا عقاب بلا تكليفٍ واصلٍ، اللهم إلاّ أن يُدعى وصول التكليف إليهم من الرسل السابقين على الإسلام.
وعلى أي حالٍ، فالثواب والعقاب وليدا وصول التكاليف، وإدراك تطابق العقلاء الكاشف عن رأى المولى والموصل للتكاليف ليس من البديهيات، وكونه من الآراء المحمودة مما يحتاج إلى التأدب، وهو غير حاصل نوعاً في تلك العصور السابقة على بعثة الرسل قطعاً، فلا تلازم إذن بين إدراك العقل وعدم العقاب.
والقول بأن مدح الشارع ثوابه وذمه عقابه لا يعرف لـه وجه، فإن مدحه وذمه باعتباره سيد العقلاء شيء، وباعتباره مشرعاً شيء آخر. فالأول لا يتوقف على وصول حكمه، بخلاف الثاني، إذ الثواب والعقاب موقوفان على وصوله وامتثاله أو عصيانه، ولا يكتفى فيهما بصدور الفعل وعدمه(2).
ثانياً: الماتريدية (3).
وترى هذه الفرقة: (أنّ العقل يحكم بحسن الأشياء وقبحها، والحسن مطلوب أو مأذون فيه، والقبيح منهي عنه وغير مأذون فيه).
ويلاحظ: أنّ الشرع هو الذي يحكم بالطلب أو النهي إذا وجد دليل عليه، فإن لم يكن دليل من الشارع على الطلب ـ ويستحيل ذلك؛ لأن الله سبحانه لم يترك الإنسان سدى ـ فالعقل حينئذ يحكم، ولكن لا عقاب؛ لأن الله تعالى يقول[وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً].
ويرون: (أنّ للأشياء حسناً ذاتياً وقبحاً ذاتياً؛ لأن الله تعالى لا يأمر بما هو قبيح في ذاته، ولا ينهى عن أمر هو حسن في ذاته).
__________________________________
1 ـ المصدر نفسه 3: 353.
2 ـ لزيادة الاطلاع يراجع: الأصول العامّة لمحمّد تقي الحكيم: 284 ـ 294.
3 ـ الماتريدية: فرقة تـنسب إلى أبي منصور محمّد بن محمّد محمود الماتريدي، حنفي المذهب، ولد في ما تريد ـ وهي محلة بسمرقند فيما وراء النهرين ـ في حوالي منتصف القرن الثالث، وتوفي في عام (333هـ) وقد تصدى لآراء المعتزلة بالرد والمناقشة، وشارك الأشاعرة في هذا الميدان، وإن لم يكن مقتنعاً بكثيرٍ من آرائهم. راجع تاريخ المذاهب الإسلاميّة لأبي زهرة 1: 207 ت 210.