ـ(37)ـ
الرسل لو فرض وقوعه وعدم النكير من الله تعالى دليل على أنه لا عقاب ولا ثواب دون إرسال الرسل، كما يدل عليه قوله تعالى: [رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل](1).(2).
ب ـ وقد ناقش هذه الأدلة الأستاذ السيد محمّد تقي الحكيم بكل عمق، ونظراً لأهميتها أكتفي بها وأعرضها بشيء من التلخيص:
الأول: ويناقش دليلهم هذا: بأن العقول بما هي عقول فلا تتفاوت في إدراكها، إنّمّا التفاوت ينشأ في درجات إدراك الناس نتيجة المؤثرات الخارجية والهوى والأغراض.
ومعنى المدركات العقلية: هي ما تطابق عليها العقلاء بما أنهم عقلاء، وبعد فرض تطابقهم العقلائي لا يمكن ـ حينئذ ـ فرض الهوى والأغراض والمؤاثرات الخارجية، وإلاّ للزم الخلف.
والظاهر أنّ هذه العوامل الخارجية كالهوى والأغراض وغيرهما من المؤثرات إنّمّا تكون في الغالب في مجالات التطبيق، والتماس الصغريات لحكم العقل، وبها يكون الاختلاف، ولعل إدراك الكثير من هذه الصغريات يكون بقوى أخرى غير العقل وبخاصة إذا كانت جزئية؛ لأن العقل لا يدرك غير الكليات.
ومن المحتمل أنّ الأشاعرة قد اختلطت عليهم الكبريات العقلية بمجالات تطبيقها، فوقعوا في هذا الخلط.
الثاني: أنّ دليلهم هنا يرد ـ لو تم ـ على مبنى من يذهب إلى أنّ الحسن والقبح لا يكونان إلاّ ذاتيين، ولم يعرف قائل بذلك.
الثالث: أما بالنسبة لدليلهم هذا فما هو المحذور في أنّ تكون تشريعات الله سبحانه جارية على وفق المعقول ؟ وهل ينتظر المستدل أنّ يجري في تشريعه على غير المعقول مع نسبته إلى الحكمة في لسان الدليل ؟ فالله سبحانه هو خالق العقل، وقد وهبه القدرة وسيره على وفق مخطط اختاره لـه ، وليس من الممكن بالنسبة إليه اختيار المرجوح
__________________________________
1 ـ النساء: 165.
2 ـ مباحث الحكم عند الأصوليين للدكتور مدكور 1: 168