ـ(36)ـ
أدلتهم ومناقشتها:
أ ـ عرض الدكتور مدكور أهم أدلتهم في هذا الصدد، وحصرها في أربعة:
الأول: (لو كان الحسن والقبح عقليين لاختلف الحكم على الأفعال من ناحية تحسينها وتقبيحها، إذ العقول متفاوتة في حكمها على الأفعال، فقد يعقل البعض حسناً فيما يقبحه الآخر والعكس، بل أنّ العقل الواحد قد يحكم على الفعل تارة بالقبح وأخرى بالحسن تحت تأثير الهوى والغرض، أو مؤثرات أخرى)(1).
الثاني: (لو كان الحسن والقبح من الصفات الذاتية لكان ذلك مطرداً فيه، ولما تخلف عنه، بل يبقى الفعل حسناً دائماً أو قبيحاً دائماً، والواقع غير ذلك؛ لأن الكذب قد يكون قبيحاً، وقد يكون حسناً، بل يكون واجباً إذا ترتب عليه خير محقق: كإنقاذ بريء من يد سلطان جائر، أو من يد ظالم لـه بطش ونفوذ، ويقابل ذلك أنّ الصدق يكون قبيحاً في هذا المقام)(2).
الثالث: (لو قيل: إنّ الحسن والقبح عقليان للزم أنّ يكون الشارع الحكيم مقيداً في تشريعه للأحكام بهذه الأوصاف، وإلاّ لكان التشريع مخالفاً للعقول، وهذا نفسه قبح ينزه الله عنه).
الرابع: لو لم يكن الحسن والقبح في الأفعال بحكم الشارع نفسه وكان بحكم العقل لاستحق تارك الحسن وفاعل القبيح قبل بعثه الرسل العقاب، وهذا مخالف لصريح الكتاب، يقول تعالى: [وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً](3)، ويقول: [ولولا أنّ تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولاً فتتبع آياتك ونكون من المؤمنين فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى](4).
فإنّ احتجاج الكافرين برسالة محمّدٍ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ على إيقاع العذاب من غير إرسال
__________________________________
1 ـ مباحث الحكم عند الأصوليين لمحمد سلام مدكور 1: 168.
2 ـ المصدر السابق.
3 ـ الإسراء: 15.
4 ـ القصص: 47.