ـ(61)ـ
والتأويل ـ كمنهجٍ عقليٍ ـ يقصد منه: إبعاد التصورات التي لا تليق بالألوهية وكوسيلةٍ للتقريب والتوفيق بين العقائد الدينية التي تثبت بالوحي وبين مقتضيات العقل ظاهرة دينية.
والتأويل ـ كمنهجٍ عقليٍ ـ يرتبط تاريخياً بالمعتزلة الّذين أيقنوا من أنّ أبعاد التصورات والصفات والأحوال التي لا تتفق وطبيعة الألوهية لا يكون إلاّ عن طريق تأويلها مجازياً.
فقد وجدوا في القرآن الكريم والحديث النبوي نصوصاً إذا أخذت حرفياً أدت إلى التشبيه والتجسيم، وما يكون من ذلك من الصفات والعواطف والإحساسات البشرية، وإذا ثبت عندهم بالدليل العقلي أنّ الله تعالى منزه عن الجسمية والجهة قالوا: لابد من صرف هذه الصفات عن معانيها الظاهرية الحرفية إلى معان أرخى مجازية؛ لئلا يكون ذلك سبباً في الطعن في هذه النصوص.
واستعانوا في هذه السبل الوعرة والشاقة بالقرآن نفسه في آياتٍ أخر، وبلغة القرآن يجدون فيها ما يساعدهم في تقرير المعاني التي يرونها(1).
والباحث في كتب التفاسير والفرق يجد: أنّ المعتزلة لم يأتوا بما أتوا به من صرف آيات الصفات عن معانيها الظاهرية الحرفية إلى معان أخرى مجازية من فراغ، وإنّما مهد لهم رجال من السلف عاشوا في القرن الأول الهجري، أمثال: "مجاهد المكي" و"عطية الكوفي" أو "العوفي" وغيرهما من رجال السلف. فقد قاموا بمحاولات فكرية لتفسير المتشابهات تفسيراً مجازياً لـه مبرراته في اشتقاقات اللغة العربية وأصولها(2).
يُروى عن مجاهد المكي المحدث، والمفسر المشهور: أنّه كان من أوائل من قرأ الآية الكريمة [وما يعلم تأويله إلاّ الله والراسخون في العلم] (3) من غير توقفٍ،
_________________________________________
1 ـ" دراسات في الفرق والعقائد الإسلاميّة" للدكتور عرفان عبد الحميد: 98، 218 ط. مؤسسة الرسالة (1404 هـ ـ 1984 م) بيروت.
2 ـ " دراسات في الفرق والعقائد الإسلاميّة" للدكتور عرفان عبد الحميد: 98، 218 ط. مؤسسة الرسالة (1404 هـ ـ 1984 م) بيروت.
3 ـ آل عمران: 7.