ـ(62)ـ
فاتحاً بذلك باب التأويل لمن جاء بعده(1).
أما المعتزلة: فقد جاهدوا من أجل جعل التأويل المجازي منهجاً عاماً منسقاً؛ لأنهم أدركوا ـ كما أدرك غيرهم من علماء الكلام في الأديان الأخرى ـ أنّه لا سبيل للقضاء على التشبيه كفكرةٍ، إلاّ إذا صرفت الصفات الخبرية الواردة في المتشابهات عن ظواهرها إلى معانٍ أخرى مجازيةٍ مستساغةٍ، من غير إخلالٍ بقواعد اللغة العربية وخصائصها.
ويذكر العلماء: أنّه رغم ما في التأويل الاعتزالي ـ أحياناً ـ من تعسفٍ وإفراطٍ ومحاولاتٍ لجعل النص القرآني دليلاً على صحة آرائهم الدينية والمذهبية التي آمنوا بها إلاّ أنّ العمل الذي بدأوه كان السلاح الوحيد للقضاء على التشبيه والمشبهة، وقد أخذ به مع تعديلات وإضافات عامة المسلمين: من شيعةٍ وأهل سنةٍ ما تريديةٍ وأشاعرةٍ(2).
وفي ذلك يقول الإمام الرازي: (جمع فرق الإسلام مقرون بأنه لابد من التأويل في بعض ظواهر القرآن والأخبار) (3).
والباحث في أعماق التراث الإسلامي الأول يجد أنّ مشكلة التشبيه ظهرت في الفكر الإسلامي في نهاية القرن الأول الهجري، وسبب ظهور المشكلة يعود إلى وجود مجموعة من الآيات والأحاديث تضيف إليه تعالى صفات خبرية، تشير إذا فسرت حرفياً إلى التشبيه والتجسيم، وما يكون من ذلك من الصفات والعواطف، والإحساسات البشرية(4)، والآيات والأحاديث التي ورد فيها ذكر الصفات الخبرية مثل: [يد الله فوق أيديهم](5)، [بل يداهُ مبسوطتان] (6)، و[ما منعك أنّ تسجد لما خلقت بيدي] (7).
__________________________________________
1 ـ " دراسات في الفرق والعقائد الإسلاميّة" للدكتور عرفان عبد الحميد: 98، 218 ط. مؤسسة الرسالة (1404 هـ ـ 1984 م) بيروت.
2 ـ المصدر السابق: 219.
3 ـ أساس التقديس لفخر الدين الرازي: 180، ط. البابي الحلبي بمصر.
4 ـ "دراسات في الفرق والعقائد الإسلاميّة"، للدكتور عرفان عبد الحميد: 203.
5 ـ الفتح: 10.
6 ـ المائدة: 64.
7 ـ سورة ص: 75.