ـ(59)ـ
القديمة وأثبت كيانه فيها، إلاّ أنّ الإسلام ـ كتصور روحي خاص ـ استمر يناضل ـ فكرياً ـ أهل الأديان والعقائد المختلفة لمدة طويلة اشتبك خلالها المخلصون ـ أصحاب العقليات ـ في حرب ضروس مع أصحاب الأهواء والبدع من الزنادقة والدهرية، والمشبهة، والحلوية مثلوا فيها معارضة قويةً، صانوا فيها البناء الروحي والفكري للإسلام من خطر تلك الآراء التي أرادت أنّ تشوه صفاء العقيدة الإسلاميّة.
والأمة الإسلاميّة في "عقلانيتها" التي انطلقت من دعوة القرآن لم ترفض الوحي، ولم تتنكر للنص المأثور، و أيضاً فهي لم تقف لتتعبد بالنص المأثور دون وعيٍ، وإنّما وازنت بين العقل والنقل، ووفقت بين الحكمة والشريعة، وحكمت العقل، ولجأت إلى التأويل عندما لاح التعارض بين ظواهر النصوص وبين براهين العقل(1).
فليس من مصلحة المسلم ترك الضحالة والمحاكاة والرتابة والآلية تطمر أعماقه وتأكل إرادته.
ومن سبل التقريب: أنّ ندرك أنّ الخلاف والاختلاف ضروري؛ لأن ورود المتشابه في القرآن الكريم كما في قوله تعالى: [هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الّذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلاّ الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كلّ من عند ربنا وما يذكر إلاّ أولوا الألباب](2) كان سبباً في اختلاف العلماء في مواضع المتشابهات من القرآن الكريم، وحاول كثيرون من ذوي الأفهام تأويله والوصول إلى إدراك حقيقة معناه، فاختلفوا في التأويل اختلافاً بيناً(3)؛ لأنهم لم يقنعوا بالإيمان بالمتشابهات جملة من غير تفصيل، فجمعوا الآيات التي قد يظهر بينها خلاف، وسلطوا عليها عقولهم، فأداهم النظر في كلّ مسألةٍ إلى رأيٍ، فإذا
__________________________________________
1 ـ تيارات الفكر الإسلامي، للدكتور محمّد عماره: 15، ط. دار الفكر العربي، القاهرة.
2 ـ آل عمران: 7.
3 ـ تاريخ المذاهب الإسلاميّة للشيخ محمّد أبو زهرة: 15 ط. دار الفكر العربي القاهرة.