ـ(58)ـ
وعيٍ، ولا تفكير. فقال تعالى: [وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون](1).
خامساً: لقد نهى القرآن الكريم الإنسان أنّ يتبع شيئاً ويؤمن به من غير أنّ يكون لـه على صحته دليل ساطع وبرهان مقنع يصل إلى درجة العلم واليقين. قال الله تعالى: [ولا تقف ما ليس لك به علم إنّ السمع والبصر والفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسئولاً](2).
ولما كان العقل لـه في الإسلام هذه العناية الفائقة من التقدير فقد اتخذ لـه الإسلام منهجاً فريداً في تحريره؛ ليظل العقل عاقلاً، والفكر راشداً. وهذا المنهج يقوم على دعامتين أساسيتين، من شأنهما حراسة العقل، وترشيد الفكر.
وأول دعائم المنهج الإسلامي في تحرير العقل: هو تحرير الإنسان من أغلال الحجر العقلي، وسيطرة التبعية العمياء، حتّى يقوم العقل على حرية الفكر واستقلال الإرادة، ليكمل بذلك العقل ويستقيم التفكير.
والدعامة الثانية في المنهج الإسلامي: هي تحرير الإنسان من أصفاد الجهل وظلمته؛ لأن الجهل يقتل مواهب الفكر والنظر، ويطفئ نور القلوب، ويعمي البصائر، ويميت عناصر الحياة والقوة في الأفراد والجماعات والأمم، ويفسد على الناس مناهج الاستقامة(3).
فالمنهج العقلي كتيار فكري ومنهج عقلي كان لابد من ظهوره؛ وذلك لمجابهة التحديات الفكرية التي لاقاها الإسلام عندما امتد سلطانه، وعندما اشتد الصراع الفكري بينه وبين أصحاب الأديان الأخرى: من يهود، ونصارى، ومانويين، وزرادشتيين، وصابئةٍ، ودهريين. لقد فتح الإسلام ـ كقوةٍ سياسية ـ أرض الديانات
__________________________________________________
1 ـ البقرة: 170.
2 ـ الإسراء: 36، وراجع في هذا العقيدة الإسلاميّة للدكتور أحمد علي الملا، ومحمد بشير: 110.
3 ـ المعرفة في الإسلام، للدكتور أحمد السايح: 34 ط. القاهره دار المستقل العربي (1400 هـ).