ـ(57)ـ
الاجتهاد والتقليد في الفروع، ومعرفة التشريع
إن الاجتهاد إذا فسرناه بعملية استفراع الوسع لاستنباط الأحكام الشرعية أو الوظائف العملية ـ شرعية أو عقلية ـ من أدلتها التفصيلية، أو أنه عملية إرجاع الفروع إلى الأصول المعتمدة شرعاً، أو ما يقرب من هذه المعاني دونما نظر إلى الاجتهاد ـ بمعنى: العلم بالآراء الظنية غير المعتبرة كذلك فإنا لا نجدنا بحاجة للحديث مفصلاً عن لزومه ـ باستمرار ـ بعد وضوح قيام الشريعة بوضعه انسجاماً مع خلودها، والاجتهاد واجب كفائي ـ بلا ريب ـ حفاظاً على أحكام الإسلام من الاندراس والضياع، حيث حثت الشريعة على تحصيل العلوم الشرعية. قال تعالى:
(فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون)(1).
والآية واضحة في الوجوب الكفائي للاجتهاد، دون العيني منه ـ وهو ما نسب إلى علماء حلب ـ بالإضافة إلى ما في الواجب العيني من عسر عظيم، وكذلك قيام السيرة في الرجوع إلى فتوى الأصحاب والرواة.
أما التقليد: فجوازه لغير المجتهدين يكاد يكون بديهة، حتى عبر صاحب(كفاية الأصول) أنها: حالة فطرية جبلية(2).
وقد قامت عليه السيرة العقلائية، وهذه هي حالة المجتمعات في صدر الإسلام مما يحقق الإمضاء الشرعي لهذه الحالة، وهناك أدلة من النصوص القرآنية والنبوية على ذلك.
عدم جواز رجوع المجتهد إلى رأي غيره
وإذا حصل الباحث على رتبة الاجتهاد لم يجز له الرجوع إلى غيره؛ وذلك لما
_______________________________________
1 ـ التوبة: 122.
2 ـ كفاية الأصول 2: 359.