ـ(56)ـ
متى يمكن تصور النزاع
والحقيقة هي: أن مسألة تتبع الرخص إنما تتم في إطار عملية أوسع منها هي:
عملية(التلفيق بين الفتاوى)؛ ذلك أن التلفيق قد يتم بين حكمين إلزاميين أيضاً، بل وربما جلب على المكلف مؤونة أكبر تميل نفسه إليها، فيتبع هذا المنهج لإلزام نفسه بها، أو ربما كانت الفتويان منسجمتين في التعبير عن خط واحد، كما سيأتي في فوائد التلفيق إن شاء الله تعالى.
إذن فليستا عمليتين متطابقتين، على أنه لا معنى لتصور التلفيق من قبل المجتهد، إذ لأريب في أن المجتهد عندما يصل إلى تحديد مواقفه من المواضيع على ضوء استنباطاته فإنما يجب عليه العمل بما توصل إليه، ولا يجوز له ـ حينئذٍ ـ إتباع رأي الآخرين، وإنما يمكن تصور التلفيق، وبالتالي تتبع رخص الفتاوى من قبل غير المجتهدين، ولا يتم هذا إلاّ إذا قلنا بجواز التقليد. ولم نلتفت لما قيل في عدم جوازه من قبل الحشوية وغيرهم، ومع جواز التقليد فإن
مسألتنا هذه لا تتصور إذا قلنا بلزوم تقليد الأعلم بكل شروطه دون منافس، وحينئذ فلا مجال للرجوع إلى غيره، ولا معنى ـ حينئذ ـ للتلفيق وتتبع الرخص.
أما مجال القيام بذلك فهو: فيما إذا لم نقل بضرورة تقليد الأعلم أياً كان، أو توفر هناك فردان أو أكثر مع التساوي في المرتبة العليا (الأعلمية) فالمجال واسع لهذه المسألة(1).
فلنسر إذن مع مقدمات الموضوع حتى نصل إلى المقصود.
_______________________________
1 ـ ربما يقال: بأنه يمكن تصور التلفيق مع القول بانحصار الرجوع إلى الأعلم فيما لو علم باختلاف المجتهدين في الفتوى، أما لو لم يعلم بالوفاق أو الاختلاف فهو مخير بينهما. إلاّ أنه يقال: إن مفروض المسألة هو ما لو علم باختلافهما فهو يتبع الفتوى المرخصة دون الملزمة.