ـ(222)ـ
طهر بالحد، وقد أخبر ـ عليه الصلاة والسلام ـ في كثير من الحدود: أن إقامتها كفارة لفاعليها، وهم أهل القياس بزعمهم، فهلا قاسوا المحدود في القذف على المحدود في السرقة والزنا، أي: أن المحدود في السرقة أو في الزنا تقبل شهادته ! فالمحدود في القذف ليس أسوأ حالاً منهما، وإلا لكان القذف بالزنا أشد من ارتكاب الزنا نفسه ) !
ثم يقول ابن حزم:( وقد شاركهم المالكيون في بعض ذلك، فردوا شهادة المحدود فيما حد فيه وأجازوها فيما لم يحد فيه)(1).
(ب) وقد يكون الاختلاف راجعاً إلى تردد اللفظ ـ مفرداً كان أو مركباً ـ بين أني يكون مقصوداً به المعنى اللغوي، أو معنى عرفي اشتهر فيه.
مثل ذلك: اختلاف ابن القاسم واشهب من المالكية فيمن قال:(والله لا آكل رؤوساً). وذلك أن لفظ(الرؤوس) في اللغة صالح لأن يراد به: كل الرؤوس، دون تفرقة بين رؤوس الأنعام ورؤس الأسماك مثلاً، ولكن العرف القولي جرى على أن لفظة(الرؤوس) إذا ذكرت بجانب الأكل فالمراد بها: رؤوس الأنعام خاصة، فلا يكاد الناس يركبون لفظ(أكلت مع ) مع الرؤوس إلاّ وهم يقصدون رؤوس الأنعام، بخلاف لفظ(رأيت) ونحوه، فإنهم يركبونه مع رؤوس الأنعام وغيرها.
فالعبارة التي حلف بها الحالف: إن حملت على معناها اللغوي فإنه يحنث إذا أكل شيئاً من رؤوس الأنعام أو من رؤوس غيرها، وذلك هو رأي ابن القاسم. وإن حملت على المعنى العرفي الذي نقل التعبير إليه فإنه لا يحنث، إذا أكل شيئاً من رؤوس الأنعام خاصة.
وابن القاسم وأشهب لا يختلفان في أصل القاعدة، وهي: تقديم النقل العرفي على الوضع اللغوي، ولكنهما يختلفان في كون هذه العبارة ـ وهي:( لا أكلت رؤوساً) ـ قد غلب عليها المعنى العرفي حتى أصبح هو المتبادر منها، فابن القاسم يسلم استعمال
____________________
1 ـ الإحكام لابن حزم 4: 24.