ـ(223) ـ
أهل العرف لذلك، ولكنه يقول: إن هذا الاستعمال لم يصل إلى الغاية الموجبة للنقل، وأشهب يرى أنه وصل إلى هذه الغاية، وفي ذلك يقول شهاب الدين القرافي:
(وضابط النقل: أن يصير المنقول إليه هو المتبادر الأول من غير قرينة، وغيره هو المفتقر إلى القرينة، فهذا هو مدرك القولين، فأتفق أشهب وابن القاسم على أن النقل العرفي مقدم على اللغة إذا وجد واختلفا في وجوده هنا، فالكلام بينهما في تحقيق المناط)(1).
وقد بين القرافي هذه المسألة في كتاب(الفروق)، وأتى لها ببعض الأمثلة التي توضحها وتبين أن العرف القولي يحكم على الوضع اللغوي، ويعتبر ناسخاً له، ومن قوله في ذلك:( وبهذا القانون تعتبر جميع الأحكام المترتبة على العوائد، وهو تحقيق مجمع عليه بين العلماء لا خلاف فيه، بل قد يقع الخلاف في تحقيقه: هل وجد أم لا ؟.. وعلى هذا القانون تراعى الفتاوى على طول الأيام، فمهما تجدد في العرف اعتبره، ومهما سقط أسقطه، ولا تجمد على المسطور في الكتب طول عمرك، بل إذا جاءك رجل من غير أهل إقليمك يستفتيك فلا تجره على عرف بلدك، واسأله عن عرف بلده وأجره عليه، وأفته به دون عرف بلدك والمقرر في كتبك، فهذا هو الحق الواضح. والجمود على المنقولات أبداً ضلال في الدين، وجهل بمقاصد علماء المسلمين والسلف الماضين)(2).
وتالله إنها لوصية ثمنية، ,أساس متين من الأسس التي ينبني عليها الائتلاف، وعدم الشطط عند الاختلاف !
(ج) ومن أسباب الخلاف في الفهم: أن الكلمة قد تكون مترددة بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي، فيحملها مجتهد على معناها الحقيقي، ومجتهد على معناها
____________________
1 ـ الفروق للقرافي 1: 175.
2ـ المصدر نفسه: 176.