ـ(221)ـ
يوجد في مجتمعه من يحد مثله ليخفف ذلك من حزنه على ما أصيب فإن الاشتراك في المصائب يهونها، وتلك نظرة تدل على أن فقهاءنا يدخلون في اعتبارهم هذه المعاني النفسية، أو الاجتماعية، وما يشبهها.
وينقد ابن رشد المالكي مذهب الحنفية ومن وافقهم، فيقول:(إن ارتفاع الفسق مع استمرار ردّ الشهادة أمر غير مناسب في الشرع، أي: خارج عن المعهود فيه؛ لأن الفسق متى ارتفع قبلت الشهادة).
ويقول الشعبي لهم:(يقبل الله توبته ولا تقبلون شهادته !).
ويقول الزجاج:(ليس القاذف بأشد جرماً من الكافر، فحقه إذا تاب وأصلح أن تقبل شهادته ).
ومما يتصل بالخلاف في ذلك: أن الحنفية ـ ويوافقهم على ذلك من المالكية ابن القاسم وأشهب وسحنون ـ يقولون: إن القاذف يظل مقبول الشهادة حتى يحد، فإذا حد ردت شهادته أبداً ولو تاب، أي: أن رد الشهادة لا يثبت بمجرد القذف، ولكن بالحد على القذف، ومنطقهم في ذلك: أن صلاحيته للشهادة ثابتة من قبل، فلا تسقط إلاّ بالحد، أي: بتمام العقوبة، ومن ناحية أخرى فإن المعنى الذي تسقط به شهادة إنسان هو نزول مستواه الأدبي في مجتمعه، وهذا لا يكون إلاّ بالعقوبة الفعلية، وهي تمام الحد. ولكن مخالفيهم لا يرضون عن هذا.
فيقول الشافعي رضي الله عنه: هو قبل أن يحد شر منه حين حد؛ لأن الحدود كفارات، فكيف ترد شهادته في أحسن حاليه دون أخسهما؟
ويقول أبن حزم في هذا المعنى وفيما تقدم من تفرقة المالكية بين شهادته فيما حد فيه، وشهادته في غير ما حد فيه:(والعجب من أصحاب أبي حنيفة في تركهم الآية وميلهم إلى رأيهم الفاسد ! فإن نص الآية إنما يوجب ألا تقبل شهادته بنص القذف، وليس في ذلك أن شهادته لا تسقط إلاّ بعد أن يحد، فزادوا في رأيهم ما ليس في القرآن، وخالفوا الآية في كل حال، فقبلوا شهادة أفسق ما كان قبل أن يحد، وردوها بعد أن